للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا، وقدرته كقدرتنا، وكذلك لما اتفقوا على أنه حي حقيقة، عالم حقيقة، قادر حقيقة، لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حي عليم قدير.

فكذلك إذا قالوا في قوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤]، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: ٨]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: ٥٩] إنه على ظاهره لم يقتض ذلك أن يكون ظاهره استواء كاستواء المخلوق (١) ولا حبًا كحبه ولا رضًا كرضاه.

فإن كان المستمع يظن أن ظاهر الصفات يماثل صفات المخلوقين لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مراد وإن كان يعتقد أن ظاهرها مما يليق بالخالق ويختص به لم يكن له نفي هذا الظاهر ونفي أن يكون مرادًا إلا بدليل يدل على النفي وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلا من جنس ما ينفي به سائر الصفات.

فيكون الكلام في الجميع واحدًا.

وبيان هذا أن صفاتنا منها ما هي أعيان وأجسام وهى أبعاض لنا كالوجه واليد، ومنها ما هو معان وأعراض وهى قائمة بنا كالسمع والبصر والعلم والكلام والقدرة.

ثم من المعلوم أن الرب لما وصف نفسه بأنه حي عليم قدير لم يقل المسلمون إن ظاهر هذا غير مراد لأن مفهوم ذلك في حقه مثل مفهومه في حقنا، فكذلك لما وصف نفسه بأنه خلق آدم بيده، لم يوجب ذلك أن يكون ظاهره غير مراد، لأن مفهوم ذلك في حقه تعالى كمفهومه في حقنا، بل صفة الموصوف تناسبه، فإذا كانت ذاته المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين، فصفاته تعالى كذاته ليست


(١) في "ظ" المخلوقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>