للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن معه من أهل الشام، فبلغ عليًا فسار، فالتقوا بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين، ودام القتال بها أيامًا، فرفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى ما فيها، مكيدة من عمرو بن العاص (١)؛ وكتبوا بينهم كتابًا أن يوافوا رأس الحول بأذرح (٢) فينظروا في أمر الأمة، فافترق الناس ورجع علي إلى الكوفة ومعاوية إلى الشام (٣)؛ وبلغت القتلى في تلك الأيام ثلاثين ألفًا.

قال القرطبي: "وكان مقام علي ومعاوية بصفين سبعة أشهر. وقيل: تسعة أشهر، وقيل: ثلاثة أشهر، وقيل: بل قتل في ثلاثة أيام ثلاثة وسبعون ألفًا وهي الأيام البيض: ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر، ومن تلك الليالي ليلة الهرير، وهو


(١) أورد الشارح هذه الرواية نقلًا عمن سبقه من المؤرخين، والحقيقة أن وقعة صفين وما جرى فيها من الأحداث، وقصة رفع المصاحف، وقضية التحيكم (والتي سيذكرها المؤلف) هي من أهم القضايا التاريخية في عصر الخلافة الراشدة، وقد نقل كثير من المؤرخين هذه القصة على ما في متنها من الاختلاف والاضطراب والنكارة، إضافة إلى الضعف الشديد في أسانيدها، مما يؤكد عدم صحة أكثر ما جاء فيها، وأن كثيرًا منها من دسائس المبغضين للصحابة رضي اللَّه عنهم، والذي يهمنا في هذا القام بيان مكان الصحابة رضي اللَّه عنهم وفضلهم وسبقهم وعلو مرتبتهم، وبيان محبة بعضهم بعضًا، وأن مكانتهم أعلى وأسمى من أن يكيد بعضهم لبعض، ويخدع بعضهم بعضًا، وأن هذا هو اللائق بالصحابة رضي اللَّه عنهم، وأن أغلب ما قيل فيهم ونقل عنهم من التنافر والعداء لا يصح ولا يثبت، فالواجب الاعتراف بفضل الصحابة ومكانتهم وإحسان الظن بهم، والكف عما شجر بينهم، وإن الكل مجتهد، وإن أخطأ بعضهم في اجتهاده فهو مأجور ومعذور.
انظر العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي (١٧٥) وما بعدها، ومرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص ٣٧٨) وما بعدها، والعقيدة الواسطية لابن تيمية وشرحها للدكتور صالح الفوزان (ص ٢٠١) وما بعدها.
(٢) أذْرُح: بالفتح ثم السكون وضم الراء والحاء المهملة: اسم بلد في أطراف الشام. (معجم البلدان ١/ ١٢٩).
(٣) انظر طبقات ابن سعد (٣/ ٣٢)؛ وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص (١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>