للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رد اللفظ إلى أصول معنوية كثيرة]

قد يحتمل اللفظ الرد إلى أكثر من أصل معنوي، فلا يتوانى في ذكرها جميعا، يبتغى بذلك الوصول إلى أصح المعانى وأوضحها، ومن ذلك قوله (٦٤): "أصل الزكاة في اللغة: النماء والكثرة، زكا المال يزكو: إذا كثر، ودخلته البركة، وزكا الزرع: إذا نما، وسميت الصدقة زكاة لأنها سبب النماء والبركة، وقيل أصلها: الطهارة" من قوله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً} (٦٥) أى: طاهرة. وقوله تعالى: {لِيَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} (٦٦) أي: طاهرا. وقيل: مأخوذ من تزكى، أى: تقرب، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} (٦٧) وقيل: العمل الصالح. وقال تعالى: {خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} (٦٨) أى عملا صالحا. فكأنها تطهر من الذنوب، وتقرب إلى الله تعالى. فقد ذكر هنا: النماء والزيادة. والطهارة. والقربة. والعمل الصالح، ثم جمعها في التطهر والتقرب بالعمل الصالح في توضيح المعنى.

ونلاحظ أنه بهذا كان من أكثر اللغويين جمعا لأصول معانيها؛ لأن ابن الأنبارى الذى يهتم بجمع المعانى؛ وتعدادها، لم يذكر في أصول معانيها سوى النماء والزيادة، وفسر زكية في الآية {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} بأنها: زائدة الخير لم تذنب ولم تكن منها خطيئة (٦٩)، وكذلك ابن قتيبة اقتصر على معنى النماء والزيادة (٧٠). وذكر الخليل الزكاة بمعنى التطهير؛ وبمعنى الصلاح، وقال: تقول: رجل زكى تقى ورجال أزكياء أتقياء (٧١). واقتصر الزمخشري على التطهر (٧٢) وممن جمع أكثر معانيها ابن الأثير في النهاية (٧٣) حيث قال: "وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث". وهذا يدل على دأب الركبي في جمع أصول المعانى، كما يفعل أصحاب المعجمات.

- وقد يجتهد في إيجاد أصل معنوى غير مشهور يرد إليه معنى اللفظ المستعمل، ومن ذلك قوله: "التقليد أصله: من القلادة التى تكون في العنق؛ كأنه يجعل ذلك الأمر كالقلادة في عنقه يتحمل مأثمه" (٧٤) وقوله أصل البد الفراق، مثل قولهم: لابد من كذا، كأنه قال: لا فراق منه (٧٥) وقوله ": هَتَكَ حُرْمَتَه، أى: خرقها، وأصل الهتك: خرق الستر عما وراءه"، (٧٦) وقوله: "وكفة الصائد: حِبالته، ولعل أصله من الكف، وهو المنع والتوقف" (٧٧) وقوله: "الجزية أصلها الفداء" (٧٨).

وهذا كله محاولة منه لتقريب المعنى.

[اهتمامه بأصول الاشتقاق المادى]

وعنايته بأصول المعانى كان قسيما لاهتمامه بأصول اشتقاقات المادة ذاتها، وقد كان مولعا بهذا مما سوغ لنا القول بأنه كان من كبار الاشتقاقين. ودليل هذا قوله (٧٩): "وفي تسمية الصلاة صلاة لأهل الاشتقاق ثلاثة أقوال: قيل لما فيها من الدعاء؛ وقيل: لرفع الصلا في الركوع، وهو مغرز الذنب من الفرس؛ وقيل: لما فيها من الخشوع واللين، يقال: صليت العود بالنار: إذا لينته والمصلى يلين ويخضع"، وقوله (٨٠): "أيام التشريق، في اشتقاق تسميتها بذلك أوجه، أحدها: لأنهم يشرقون فيها اللحم، بمعنى أنهم يشمسونه، وقيل:


(٦٤) تهذيب اللغة.
(٦٥) في النظم ص ١٣٩.
(٦٦) سورة الكهف آية ٧٤.
(٦٧) سورة مريم آية ١٩.
(٦٨) سورة الأعلى آية ١٤.
(٦٩) سورة الكهف آية ١٨.
(٧٠) الزاهر ٢/ ٨٦١، ١٨٧.
(٧١) غريب الحديث ١/ ١٨٤.
(٧٢) العين ٥/ ٣٩٤.
(٧٣) الفائق ٢/ ١١٩.
(٧٤) ٢/ ٣٠٧.
(٧٥) النظم ص ١٦.
(٧٦) السابق ص ٢١.
(٧٧) نفسه ص ٣٥.
(٧٨) ص ١٦٤.
(٧٩) النظم ص ٥١.
(٨٠) السابق ص ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>