وِمِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ
أصْلُ الصَّلَاةِ: الدُّعَاءُ، قَالَ الأعْشَى (١):
تَقُولُ بِنْتِى وَقَدْ قَرَّبْتُ مُرْتَحِلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأوْصَابَا وَالْوَجَعَا
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِى صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضى ... نَوْمًا فَإنَّ لِجَنبِ الْمَرْء مُضطَجَعًا
وَفي تَسْمِيَةِ الصَّلَاةِ صَلَاة لِأهْلِ الاشْتقَاقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَال. قِيلَ: لِمَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاءِ (٢).
وَقِيلَ: لِرَفْعِ الصَّلَا فِي الرُّكُوعِ، وَهُوَ مَغرِزُ الذَّنَب مِنَ الْفَرَس (٣)، وَقِيلَ: لِمَا فِيهَا مِنَ الْخُشُوعِ وَاللّينِ، يِقَالُ: صَلَيْتُ الْعُودَ بِالنَّارِ: إِذَا لَيَّنْتَهُ. وَالْمُصَلِّى يَلِين وَيَخْشَعُ.
قَوْلُهُ: "ثَائِرُ الرَّأسِ" (٤) أيْ: شَعِثُ الرَّأس، قَدْ تَفَرَّقَ وَانتشَرَ مِنْ تَرْكِ الامْتِشَاطِ وَالادِّهانِ. وَيُقَالُ: أثَارَ التُّرابَ إِذَا بَحَثَهُ بِقَوائِمِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} (٥) أَيْ: حَرَثُوهَا (٦) وَقَوْلُهُ: {لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ} (٧) وَمِنْهُ سُمِّىَ الثَّوْرُ (٨).
قَوْلُهُ: "يُسْمَعُ دَوِىُّ صَوْتِهِ" الدَّوِىُّ بِفَتحِ الدَّالِ: الصَّوْتُ الْذِى لَا يُفْهَمُ، كَدَوِىِّ النَّحْلِ وَدَوِىِّ الْمَطر وَالرَّعْدِ وَالرِّيحِ. وَقَدْ فَسَّرَهُ (٩) بِقَوْلِهِ: "لَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ" أيْ: لَا يُفْهَمُ، وَأصْلُهُ: فَعِيلٌ مِنْ دَوَى يَدْوِى دَوْيًا بِالْفَتْحِ، مِثْلُ الشَّهِيقِ وَالنَّهِيقِ وَالزَّفِيرِ، وَسَائِر الأصْوَاتِ الْمَفْتُوحِ أوَّلِهَا. وَأصْلُهُ "دَوِيىْ" فَأدْعِمَ لِاجْتِمَاعِ المِثْلَيْنِ. وَذَكَرَ ابْنُ بَاشَاذَ (١٠): أنَّهُ مَضْمُومٌ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الوُلُوجِ وَالشُّذُوذِ وَالْعُكُوفِ. وَ "يَفْقَهُ" يُرْوَى بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا. وَمَعْنَى إِلَّا أنْ تَطوَّعَ أيْ: تَفْعْلَ ذَلِكَ بِطوَاعِيَتَكَ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ، ولَا تَكْلِيفٍ، وَأصْلُهُ: تَتَطَوَّع. فَأبْدِلَتْ التَّاءُ (١١) الثَّانِيَةُ طَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الطَّاءِ (١٢).
قَوْلُهُ: "تَنْفِيرًا عَنِ الإسْلَام" (١٣) يُقَالُ: نَفَرَ عَنِ الشَّىْءِ: إذَا هَرَبَ مِنْهُ مَخَافَةً
قَوْلُهُ: "سُقُوطُ الصَّلَاةِ عَنِ الْحَائِض غزِيمَةٌ" (١٤) أَيْ: شَرِيعَةٌ مَقْطُوعٌ بهَا. يُقَالُ: عَزَمْتُ عَلَى الشَّىْءِ عَزْمًا: إذَا أرَدْتَ فِعْلَهُ، وَقَطَعْتَ عَلَيْهِ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (١٥) أيْ: صَرِيمَةَ أمْرٍ (١٦).
(١) ديوانه ١٣ والزاهر ١/ ١٣٨، ١٣٩ وغريب أبي عبيد ١/ ١٧٩.
(٢) الزاهر ١/ ١٣٨ والعين ٧/ ١٥٤ وتهذيب اللغة ١٠/ ٢١٥ وغريب أبي عبيد ١/ ١٧٨ والفائق ٢/ ٣٠٩ والنهاية ٣/ ٥٠.
(٣) تهذيب اللغة ١٠/ ٢١٥ واللسان (صلو ٢٤٩٠).
(٤) في المهذب ١/ ٥٠: روى طلحة بن عبيد الله (ر) قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -رجل من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوى صوته. . . إلخ الحديث انظر المهذب ١/ ٥٠ ومعالم السنن ١/ ١٢٠ والنهاية ١/ ٢٢٩.
(٥) سورة الروم آية ٩.
(٦) معانى القرآن للفراء ٢/ ٣٢٢ ومعانى القرآن ٢/ ١١٩ وتفسير غريب القرآن ٣٤٠.
(٧) سورة البقرة آية ٧١. وانظر تفسير غريب القرآن ٥٤.
(٨) قال ابن قتيبة: ويقال للبقرة: المثيرة.
(٩) في الحديث: "يسمع دوى صوته ولا يفقه ما يقول".
(١٠) طاهر بن أحمد بن باشاذ المصرى. ترجمته في معجم الأدباء ١٧/ ٥ وإنباه الرواة ٢/ ٩٥ - ٩٧.
(١١) التاء ساقطة من خ.
(١٢) كذا في اللسان (طوع ٢٧٢٢) ومعانى الفراء ١/ ٤٤٧ والنهاية ٣/ ١٤٢.
(١٣) فى المهذب ١/ ٥٠: الكافر إذا أسلم لا يخاطب بقضاء الصّلاة؛ لأنّ في إيجاب ذلك عليه تنفيرا عن الإسلام فعفى عنه.
(١٤) المهذب ١/ ٥١.
(١٥) سورة طه آية ١١٥.
(١٦) قال الفراء: صريمة ولا حزما فيما فعل معانى القرآن =
