للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ: "أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ" (١٦) أَىْ: جَعَلَ الله لَكَ خَلَفًا يَجِىءُ بَعْدَكَ يَكُونُ عِوَضًا لَكَ مِمَّنْ مَاتَ، وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ؛ لِتَكْثُرَ الْجِزْيَةُ، وَلَا تَنْقُصُ (١٧) بِمَن مَاتَ. وَقَالَ الْقُتَيْبِىُّ (١٨): يُقَالُ: أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ، لِمَنْ ذَهَبَ لَهُ مَال أوْ وَلَدٌ، بِمَا يُسْتَعَاضُ مِنْهُ، وَخَلَفَ اللهُ عَلَيْكَ: لِمَنْ هَلَكَ لَهُ وَالِدٌ أوْ عَمٌّ. أَىْ: كَانَ اللهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ مِنَ الْمَفْقُودِ (١٩).

قَوْلُهُ: "مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَلا نِيَاحَةٍ" (٢٠) قَدْ ذَكَرْنَا النِّيَاحَةَ (٢١)، وَأَمَّا النَّدْبُ، فَهُوَ: الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَتَعْدَادُ مَحَاسِنِهِ يُقَالُ: نَدَبَهُ ندْبًا، وَالاسْمُ: النُّدْبَةُ، بِالضَّمِّ. وَأَصْلُ النَّدْبِ: أَثَرُ الْجُرْحِ (٢٢) شَبَّهَ مَا كَانَ (٢٣) يَجِدُهُ مِنَ الْوَجْدِ وَالْحُزْنِ بِأَلمِ الْجُرْحِ وَوَجَعِهِ.

قَوْلُهُ (٢٤): "لَا نُغْنى عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا" أَىْ: مَا تَنْفَعُكَ، يُقَالُ: مَا يُغْنىِ عَنْكَ هَذَا، أَىْ: مَا يُجْزِئُكَ وَلَا يَنْفَعُكَ، قَالَ الله تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (٢٥) أَىْ: مَا نَفعَ وَمَا أَجْزَأَ (٢٦) عَنْهُ.

قَوْلُهُ (٢٧): "وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" هُوَ: النَّعْىُ وَالنَّدْبُ الَّذِى كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، مِنْ مَدْحِ الْمَيِّتِ وَذِكْرِ أَفْعَالِهِ وَسَخَائِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ (٢٨): "وَإِنَّا إِنْ شَاء اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ" قِيلَ مَعْنَاهُ: إِذْ شَاءَ الله. وَقِيلَ: مَعْنَى الاسْتِثْنَاءِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: "عَنْ قَرِيبٍ" فَإِنَّهَ لا يُعْلَمُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: "بِقِيعِ الْغَرْقَدِ" قَدْ ذَكَرْنَا الْبَقِيعَ (٢٩)، وَأَنَّهُ مَقْبَرَةُ الْمَدِينَةِ، وَخُصَّتْ بِالْغَرقَدِ (٣٠)، لِكَثْرَةِ نَبَاتِهِ فِيهَا. قَالَ الزمَخْشَرِىُّ (٣١): الْغَرقَدُ: مِنَ العِضَاهِ (٣٢)، وَقِيلَ: هِىَ كِبَارُ الْعَوْسَجِ.

قَوْلُهُ: "حَتَّى تَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ" (٣٣) مَعْنَاهُ: حَتَّى تَصِلَ. وَخَلَصَ إلَيْهِ الشَّىْءُ: وَصَلَ (٣٤).

قَوْلُهُ: "يَدُوسُهُ" (٣٥) دَاسَهُ: وَطِئَهُ (٣٦) بِرِجْلِهِ يَدُوسُهُ دَوْسًا، وَمِنْهُ: دَوْسُ الطَّعَامِ (٣٧).

قَوْلُهُ: (٣٨) "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِى وَثَنًا" الْوَثَنُ: الصَّنَمُ، وَالْجَمْعُ: وُثْنٌ وَأَوْثَانٌ (٣٩). وَقِيلَ: الْوَثَنُ: مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ، وَالصَّنَمُ: مَا كَانَ مُصَوَّرًا (٤٠).


(١٦) فى المهذب ١/ ١٣٩: وإن عزى كافرا بكافر، قال: أخلف الله عليه ولا نقص عددك.
(١٧) ع: ممّن مات.
(١٨) فى غريب الحديث.
(١٩) كذا فى إصلاح المنطق ٢٥٥ والنهاية ٢/ ٦٦ وجمهرة اللغة ٣/ ٤٣٧ وأفعال السرقسطى ١/ ٤٤٥، ٤٤٦ وتهذيب اللغة ٧/ ٢٩٦.
(٢٠) فى المهذب ١/ ١٣٩: ويجوز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة.
(٢١) ص ١٣٣.
(٢٢) فى الصحاح: والندب: أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.
(٢٣) كان: ليس فى خ.
(٢٤) فى المهذب ١/ ١٣٩: روى جابر (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: يا إبراهيم إنا لا نغنى عنك من الله شيئًا ثم ذرفت عيناه.
(٢٥) سورة المسد آية ٢.
(٢٦) ع: أجزى. والمثبت من خ والصحاح (جزى).
(٢٧) روى ابن مسعود (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" وانظر الحديث فى صحيح البخارى ٢/ ١٠٣ والمهذب ١/ ١٣٨.
(٢٨) فى المهذب ١/ ١٣٩: روت عائشة (ر) أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن إلى الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. وانظر الحديث فى صحيح مسلم ٣/ ٦٣، ٦٤.
(٢٩) ص ١٣٣.
(٣٠) ع: وخص.
(٣١) فى الفائق ٣/ ٦٠.
(٣٢) ع: هى من العضاه. والمثبت من خ والفائق.
(٣٣) خ "إلى جسده" وفى المهذب ١/ ١٣٩: روى أبو هريرة (ر) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحترق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر.
(٣٤) عن الصحاح (خلص).
(٣٥) فى المهذب ١/ ١٣٩: ولا يدوسه (يعنى القبر) من غير حاجة؛ لأن الدوس كالجلوس.
(٣٦) ع: وطأه: خطأ.
(٣٧) فى المصباح: داس الرجل الحنطة يدوسها دوسا ودياسا مثل الدارس ومنهم من ينكر كون الدياس من كلام العرب، ومنهم من يقول: هو مجاز وكأنه مأخوذ من داس الأرض دوسا: إذا شدد وطأه عليها بقدمه.
(٣٨) فى المهذب ١/ ١٣٩: ويكره أن يبنى على القبر مسجدًا؛ لما روى أبو مرثد الغنوى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلّى إليه وقال لا تتخذوا قبرى وثنًا.
(٣٩) مثل أسدّ وأسد وآساد كما فى الصحاح (وثن).
(٤٠) النهاية ٥/ ١٥١ والمصباح (صنم، وثن) وكتاب الأصنام ٣٣.