للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسُمىَ يَوْمُ الْقَرِّ؛ لأنَّ الْحَاجَّ (٢٢٥) يَقِرُّونَ فِيهِ بِمِنىً وَلَا يَنْفِرُونَ. وَيَوْمُ (٢٢٦) النَّفْرِ، بِسُكُونِ الْفَاءِ. وَيُقَالُ: يَوْمُ النَّفَرِ بِالتَحْرِيكِ، وَيَوْمُ النُّفُورُ، وَيَوْمُ النَّفِيرِ، عَنْ يَعْقُوبَ (٢٢٧) وَأصْلُهُ: مِنْ نَفَرَت الدَّاَّبةُ نُفُورًا وَنِفَارًا: إذا عَدَتْ مَخَافَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ (٢٢٨) حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} (٢٢٩).

وَسُمِّيَتْ الْجِمَارُ؛ لِأن آدَمَ عَلَيْهِ السَلَامُ رَمَى إبلِيسَ فَأَجْمَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ (٢٣٠)، فَسُميَّتْ الْجمَارُ بهِ، أيْ: أسْرَعَ، قَالَ لَبِيد (٢٣١):

وَإذَا حَرَّكْتُ غَرْزِى أجمَرَتْ ... أَوْ قَرَا بِى عَدْوُ جَوْنٍ قَدْ أبَلْ

قَالَ الزَّمَخْشَرِىُّ (٢٣٢). وَقَالَ الأزْهَرِىُّ (٢٣٣): أَجْمَرَ إجْمَارًا: إذَا عَدَا عَدْوًا شَدِيدًا، وَجَمَّرَ الْقَائِدُ الْجَيْشَ: إذَا جَمَعَهُمْ فِى ثَغْرٍ، فَأطالَ حَبْسَهُمْ، وَعَدَّ فُلَانٌ إبِلَهُ جِمَارًا: إذَا عَدَّهَا مُجتَمِعَةً، وَعَدَّهَا نَظَائِرَ: إذَا عَدَّهَا مَثْنَى مَثْنَى. وَقَالَ الأصْمَعِىُّ: جَمَّرَ بَنُو فُلَانٍ: إِذَا اجْتَمَعُوا فَصَاروا أَلْبًا عَلَى غَيْرِهِمْ، وَجَمَرَاتُ الْعَرَبِ سِمِّيَتْ جَمَرَات؛ لاجْتِمَاعِ كُلِّ قَبِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لَا تُحَالِفُ وَلَا تُجَاوِرُ قَبِيلَةً أُخْرَى (٢٣٤). فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ الاجْتِمَاعُ لِلرَّمْىِ.

وَأَمَّا الأصْلُ فِى رَمْىِ الْجِمَارِ، فَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ (٢٣٥): لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، أَتاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأراهُ الطوَافَ، ثُمَّ أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَأَعْطَى إبراهِيمَ سَبْعًا، وَقَالَ: ارْم وَكَبِّرْ، فَرَمَى (٢٣٦) وَكَبَّرَا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ، حَتَّى غَابَ الشَّيْطَانُ، ثمَّ أَتَى بِهِ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى، فَعَرَضَ لَهُمَا الشيْطَانُ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، وَأَعْطَى إبراهِيمَ سَبْعًا وَقَالَ له: ارْمِ وَكَبِّر، فَرَمَى (٢٣٦) وَكَبرَّا مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ حَتَّى غَابَ الشيْطَانُ، ثُمَّ أَتَى بِهِ (٢٣٧) الْجَمْرَةَ الْقُصْوَى، فَفَعَلَ كذلك. هَذَا الأصْلُ فِى شُرُوعِ الرمْىِ، كَمَا أَنَّ الأصْلَ فِى شُرُوعِ السَّعْىِ: سَعْىُ هَاجَرَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ. وَكَذَلِكَ أَصْلُ الرمْلِ: أنَّ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ هُوَ وَأصحَابُهُ مَكَةَ فِى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ تَقَدُّمُ (٢٣٨) قَومٍ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى (٢٣٩) يَثْرِبَ، فَأمرَهُمْ النَّبِىُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يَرْمُلُوا وَقَدْ ذُكِرَ (٢٤٠) وَهَذَا مَذْكُورٌ فِى الصَّحِيحَيْنِ (٢٤١).

ئُمَّ زَالَتْ هَذِهِ الأشْيَاءُ وَبَقِيَتْ آثَارُهَا وَأَحْكَامُهَا، وَرُبَّمَا أشْكَلَتْ هَذِهِ الأمُورُ عَلَى مَنْ يَرَى صُوَرَهَا وَلَا يَعْرِفُ أسبَابَهَا، فَيَقولُ: هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَمَنْ عَرَفَ الأسْبَابَ لَم يَسْتَنْكِرْ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سَبَبَ رَمْى الْجِمَارِ: أَنَّ إِبراهِيمَ عَلَيْهِ السلَامُ نَفَرَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، وَكَان يَتْبَعُهُ بالْجمَارِ، وَهِىَ الْحَصَىَ؛ لِيَرُدَّهُ إلَيْهِ.


(٢٢٥) ع: الناس. وفى الصحاح: يوم القر اليوم الذى بعد يوم النحر؛ لأن الناس يقرون فى منازلهم وانظر شرح ألفاظ المختصر لوحة ٧٦.
(٢٢٦) ع: يوم.
(٢٢٧) عن الصحاح (نفر) وانظر إصلاح المنطق ٣٧٧.
(٢٢٨) كأنهم ليس فى ع.
(٢٢٩) سورة المدثر الآيتان ٥٠، ٥١. وانظر مجاز القرآن ٢/ ٢٧٦ ومعاني الفراء ٣/ ٢٠٦ وتفسير غريب القرآن ٤٩٨ والعمدة ٣٢٣.
(٢٣٠) فى الحديث: "إن آدم عليه السلام رمى إبليس بمنى فأجمر بن يديه" الفائق ١/ ٢٣٦ والنهاية ١/ ٢٣٦ والنهاية ١/ ٢٩٢ واللسان (جمر ٦٧٦).
(٢٣١) ديوانه ١٧٦.
(٢٣٢) فى الفائق ١/ ٢٣٦.
(٢٣٣) فى شرح ألفاظ المختصر ٧٦ وتهذيب اللغة ١١/ ٧٤.
(٢٣٤) كله عن الأزهرى وانظر غريب الخطابى ٢/ ٣١٣ واللسان (جمر ٦٧٦).
(٢٣٥) أبو مجلز: لاحق بن حُمَيد بن سدوس بن شيبان الفقيه الراوى توفى فى خلافة عمر بن عبد العزيز المعارف ٤٦٦.
(٢٣٦) ع: فرميا.
(٢٣٧) به: ساقط من ع.
(٢٣٨) ع: هذا قدم قوم.
(٢٣٩) فى صحيح البخارى ٥/ ٨١: إنه يَقْدَم عليكم وَقْدٌ وهنهم حمى يثرب. كذا وفى الحاشية: فى نسخة، وهنتهم، ويروى أوهنتهم.
(٢٤٠) ص ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٧.
(٢٤١) صحيح البخارى ٥/ ١٨١: وصحيح مسلم ٦٤/ ٤. وانظر تاريخ الطبرى ٣/ ٢٣ - ٢٦.