للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ: "الْوَلَدُ لِلْفِراش" أَىْ: لمالِكِ الْفِراشِ، وَهُوَ: الزَّوْج، أَوْ لمالِكِ الْأمَةِ؛ لأنَّهُ يَفْتَرِشُها بِالْحَقِّ، وَهَذا مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَلامِ، وَهُوَ عَلى حَذفِ مُضافٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (٥١) أَىْ: أَهْلَ الْقَرْية. وَالْفِراشُ: الزَّوْجَةُ، يُقالُ: افْتَرَشَ فُلانٌ فُلَانَةً: إِذا تَزَوَّجَها، وَيُقالُ لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ: هِىَ فِراشُهُ، وَإِزارُهُ، وَلِحافُهُ.

قَوْلُهُ: "وَلِلْعاهِرِ الْحَجَرُ" الْعاهِرُ: الزّانِي: يُقالُ: عَهَرَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ يَعْهَرُ عَهْرًا (٥٢): إِذا أَتاها لِفُجورٍ، وَالْعَهْرُ: الزِّنى، وفِى الْحَديثِ: "اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ بِالْعَهْرِ الْعِفَّةَ" (٥٣).

وَمَعْنَى: "وَلِلْعاهِرِ الْحَجَرُ" أَىْ: لا شَيْىءَ لَهُ فِى نَسب الْوَلَدِ، وإِنَّما يَسْتَحِقُّ الْحَجَرَ الَّذى لا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ يُرْمَى بِالْحَجَرِ وَيُطْرَدُ. وَقَوْلُ مَنْ قالَ: إِنَّهُ يُرْجَمُ الْحَدَّ بِالْحَجَرِ لَيْسَ بِشَيْىءٍ؛ لأنَّهُ لَيْس كُلُّ زانٍ يَجِبُ رَجْمُهُ، وَهَذا كَما قالوا فِى مَعْنًى: لَهُ التُّرابُ، أَىْ: لَا شَيْىءَ لَهُ.

وَرُوِىَ أَنَّ أَبا الْعَيْناءِ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، وَكانَ أَعْمى، فَأَتاهُ النَّاس يُهَنِّئُونَهُ بِهِ، فَأَتَى الْجَمَّازُ فِى جُمْلَتِهِمْ، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَجَرًا وَمَضَى، فَتَكَلَّم بِذَلِكَ فَقالَ: أَتَدْرونَ ما أَرادَ لَعَنَهُ اللهُ؟

قالوا: لا، قال: أَرادَ قَوْلَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْوَلَدُ لِلْفِراش وَلِلْعاهِرِ الْحَجَرُ".

[تَمَّ الكِتابُ بِحَمْدِ اللهُ وَعَوْنِهِ، وَالْحَمْدُ لله أَوَّلًا وَآخِرًا، وَظاهِرًا وَباطِنًا، وَالْحَمْدُ لله وَحْدَهُ، وَصَلاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِهِ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسلْيمًا كَثيرًا طَيَّبًا مُبارَكًا].


(٥١) سورة يوسف آية ٨٢.
(٥٢) كذا في القاموس (عهر) وفي اللسان: عَهَر إِليها يَعْهَر عَهْرًا وفي المصباح: من باب تعب ومن باب قعد لغة وأكثر اللغويين على تعديته بالحرف، كأنه ضُمِّن معنى زنى.
(٥٣) غريب ابن الجوزى ٢/ ١٣٧، والنهاية ٣/ ٣٢٦.