للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفرح، أو يتذكر به غالبًا أو ميتًا فيستريح بما سمعه. والقسم الثالث منه مندوب، وهو لمن غلب عليه حب الله تعالى والشوق إليه فلا يحرك السماع منه إلا الصفات المحمودة. وقال سيدى عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس فى رسالته (تشنيف الأسماع ببعض أسرار السماع): اعلم أن السماع لقوم كالداء وهم العوام الذين مصدر سماعهم اللذات العاجلة، فهؤلاء سماعهم على متابعة الطبع؛ لأنهم لا يعرفون ما وراء الأمور الطبيعية، فإن عرفوا فمعرفتهم ضعيفة لا تثير وجدًا إلى معروفهم فهؤلاء إما أن لا يصير لسماعهم وجد أصلًا أو يصير على حسب مقتضى الطبع، طلبًا وهروبًا وحصولًا وفقدًا، فيستوعب أنواع المواجيد على حسب ذلك، لكن لا فائدة له فيما نحن فيه ولقوم كالدواء، وهم الذين يغلب السماع على نفوسهم العائقة أرواحهم عن الحضرة الإلهية باستثناسه، ولقوم كالغذاء، وهم أرباب القلوب الداعية إلى الثواب الهاربة عن العقاب، يغلب السماع عليها فيغنيها فترغب إلى الحضرة الإلهية ولقوم كالمروحة، وهم أرباب البقاء تستريح أرواحهم عن نفوسهم المطينة بالسماع.

إلى أن قال: واعلم أن السماع على ضربين: ضرب يتعلق بالمستمع، منبعه نفس المستمع وقلبه الملوث بحب الدنيا، يستمع تكليفًا لطلب جاه بأن يشار إليه بالمشيخة وغلبة الحال، والوجد، أو منفعة دنيوية من فتوح مالٍ، أو طعام، أو ثياب، وذلك مذموم لما فيه من التلبيس على العامة بإظهار ما ليس فيه، فيدخل تحت قوله تعالى: {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} وذلك أيضًا خيانة لما فيه من أخذ المال الذى جعل لأرباب الصدق وليس منهم.

والضرب الثانى محمود، وهو التكلف الراجع إلى نفس السماع بأن يتكلف فى تحصيله، وهو طلب حصول حقيقة السماع، وهذا ليس بمذموم كمن يطلب الوجد بالتواجد، وذلك بأن يجتمع طائفة يتكلم كل واحدٍ منهم كلامًا نثرًا أو نظمًا يحصل به الوجد لهم أو لغيرهم من المستمعين أو لأحدهم، أو يجتمع مع

<<  <  ج: ص:  >  >>