للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المستمعين بهذه النية، ولا ذم فى ذلك؛ لأنه بمنزلة التباكى وهو أن يجتمع طائفة يتكلم كل واحد منهم أو أحدهم كلامًا من مواعظ أو غيرها، أو يقرأ أحدهم شيئًا من كلام الله تعالى فيحصل لهم أو لأحدهم البكاء خوفًا من الله تعالى وشوقًا إليه، وهذا أمر مندوب إليه، فكذلك الوجد الحاصل من التواجد المندوب إليه، وإن كان فيه تكلف، فكذلك السماع المترتب عليه.

ولا يقال: الفرق بين التواجد والتباكى ظاهر، فإن الاجتماع فى التواجد بدعة لم يكن فى عصر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ لم ينقل، ولو كان لنقل لتوفر الدواعى، فإنه ينكر على الصوفية فى ذلك، ولو كان عندهم نص لتمسكوا به فيكون بدعة، وكل بدعة ضلالة؛ كما فى الحديث.

لأنا نقول: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" غير ما هنا، بدليل الإجماع على جواز بعض البدع، وقد نص علماؤنا أن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة وبسط ذلك فى غير هذا المحل، ثم قال: هذا واعلم أن جامد الطبع لا يتأثر بالسماع ولا يلين به؛ لأنه لكونه عديم الذوق، يقول: كل ما يدعى فيه من الذوق الداعى إلى الفرح بالله تعالى أو الخوف منه، أو الانكسار أو الافتقار أو غير ذلك ممنوع، إذ لو وجد لتحقق فى مثلى؛ لأن الأذواق من الأمور الضرورية، ولا يتفاوت فى ذلك العقل.

وجوابه أنهم إنما لا يتفاوتون عند سلامة آلات الإدراك وليس هو كذلك، والدليل عليه أن العنين لا يعلم لذة الوقاع والمنكر مثله، إذ ليس له شوق خاص إلى الله تعالى ولا محبة معه خاصة، وكذلك الأعمى ليس له بالجمال البارع استمتاع، والمنكر مكفوف مثله إذا حجب عن علم الغيب بهذه المحسوسات فلا يرى شيئًا من جماله الذى هو أتم من هذا الجمال، فكيف يتمتع؟ ! إلى أن قال: ولعل ذلك المنكر ينكر المحبة التى جوز السماع لأجلها، ويقول: لا نعرف المحبة التى جوز السماع لأجلها، ويقول: لا نعرف المحبة مع الله إلا امتثال أمره بأن نصلى، ونصوم ونحو ذلك من المأمورات، واجتناب نهيه بأن نترك ما نهينا عنه،

<<  <  ج: ص:  >  >>