للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمر. وعلق عليه أبو ريَّة قوله: (أي السنة العملية) فإن أراد اصطلاح شيخه (١) «السنة العملية المتواترة» فلا يخفى بطلانه؛ لأن هذا اصطلاح مُحْدَث، وإنما المراد ما يترتَّب عليه عمل شرعي، فيدخل في ذلك جميع الأحكام والآداب وغيرها، ولا يخرج إلا القصص ونحوها، استحبّ الإقلال من القصص ونحوها، ولم يمنع من الإكثار فيما فيه عمل.

ثم قال: (ولا غرابة في أن يفعل عمر ذلك لأنه كان لا يعتمد إلّا على القرآن والسنة العملية، فقد روى البخاري عن ابن عباس أنه لما حُضِر النبي وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي: هَلُمَّ أكتبْ لكم كتابًا لن تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله).

أقول: تكلَّم بعضُ المتأخرين (٢) في هذا الحديث، وذكر أنه لوكانت الواقعة بنحو هذه الصورة لما أغفلَ الصحابةُ ذكرَها والتنويه بشأنها، فما باله لم يذكرها إلا ابن عباس مع أنه كان صغيرًا يومئذ. ويميل هذا المتأخر إلى أنها كانت واقعة لا تستحق الذكر تجسَّمت في ذهن ابن عباس واتخذت ذاك الشكل. والذي يهمنا هنا أن نتبيَّن أنه من المعلوم يقينًا أن عمر لا يدَّعي كفاية كتاب الله عن كلِّ ما سواه بما فيه بيان الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، إذن فإنما ادَّعى كفاية القرآن عن أمر خاص، ودلالة الحال تبين أنه ذاك الكتاب الذي عَرَض عليهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يكتبه لهم. والظاهر أنه قد كان جرى ذكر قضية خاصة بَدَا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكتب لهم في شأنها، فرأى عمر أن حكمها في القرآن، وأن غاية ما سيكون في ذاك الكتاب تأكيد أو زيادة


(١) يعني رشيد رضا صاحب «المنار» وقد سبق كلامه.
(٢) لم أتبين مَن هو.