للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معناه أن يَلْحَق هذا الولد بمصطفى، ولذلك يقول هنا: (وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفَّنت أفكارهم وتحجَّرت عقولهم). ولو قال: قلوبهم لكان أنسب لحاله.

قال: (فقد استكثرت فيه من الأدلة التي لا يرقى الشك إليها، وأتزيَّد من الشواهد التي لا ينال الضعفُ منها).

أقول:

سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أم حمار!

قال: (وبرغمي أن أنصرف في هذا الكتاب عن النقد والتحليل، وهي الأصول التي يقوم العلم الصحيح في هذا العصر عليها).

أقول: قد ذكر هو ص ٣٢٧: أن علماء فقه الحديث قد عرفوا تلك الأصول، ونقل عن صاحب "المنار" قوله: (إن لعلماء فقه الحديث مِن وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار نقدًا آخر لمتونها ... ويشاركهم في هذا النوع من النقد رجال الفلسفة والأدب والتاريخ، ويسمونه في عصرنا النقد التحليلي). فإن كان أبو ريَّة يحسنه فإنما عَدَل عنه ليتسع له المجال فيما يكره أن يتضح للمثقفين.

لكن قال بعد هذا: (وقد اضطررت إلى ذلك؛ لأن قومنا حديثو عهد بمثل هذا البحث، على أني أرجو أن يكون قد انقضى ذلك العهد الذي لا يشيع فيه إلا النفاق العلمي والرئاء الديني، ولا ينشر فيه إلا ما يروج بين الدهماء ويرضى عنه من يزعمون للناس ــ زورًا ــ أنهم من المحدِّثين أو العلماء) (١).

وهذا يُشعر أو يُصرّح بأنه يريد بالنقد التحليلي أمرًا آخر، انصرف برغمه عنه اتقاءً لعلماء المسلمين وعامتهم، وأخذًا بنصيبٍ مما يسميه بالنفاق


(١) انظر الحاشية السابقة.