للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمكحلة. وفي رواية: ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب، ولكن أرى ذلك شغلك).

أقول: تتمة الرواية الأخيرة كما في «البداية» (١): «فقالت: لعله». والذي أنكره أبو ريَّة من جواب أبي هريرة عظيم الفائدة للباحث المحقق، وذلك أن أبا هريرة كان شديد التواضع، وقد تقدم أمثلة من ذلك (٢)، وعائشةُ معروفة بالصرامة وقوة العارضة، فجوابه يدلّ على قوة إدلاله بصدقه ووثوقه بحفظه، ولو كان عنده أدنى تردّد في صدقه وحفظه لاجتهد في الملاطفة، فإن المريب جبان، وسكوت عائشة بل قولها: «لعله» أي: لعل الأمر كما ذكرتَ يا أبا هريرة. يدل دلالة واضحة أنه لم يكن عندها ما يقتضي اتهام أبي هريرة.

هذا، وحجة أبي هريرة واضحة، فإن عائشة لم تكن ملازمةً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل انفردت عن الرجال بصحبته - صلى الله عليه وسلم - في الخلوة، وقد انفردت بأحاديث كثيرة تتعلَّق بالخلوة وغيرها فلم ينكرها عليها أحد، ولم يقل أحدٌ ــ ولا ينبغي أن يقول ــ: إن سائر أمهات المؤمنين قد كان لهنّ من الخلوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما لها، فما بالُ الرواية عنهن قليلة جدًّا بالنسبة إلى رواية عائشة.

قال: (على أنه لم يلبث أن عاد فشهد بأنها أعلم منه ... ذلك أنه لما روى حديث (مَنْ أصبح جنبًا فلا صوم عليه) ... أنكرت عليه عائشةُ هذا الحديث فقالت: إن رسول الله كان يدركه الفجر وهو جُنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم، وبعثت إليه بأن لا يحدِّث بهذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يسعه إزاء ذلك إلا الإذعان والاستخذاء وقال: إنها أعلم مني، وأنا لم أسمعه من النبي، وإنما سمعته من الفضل بن العباس).


(١) (١١/ ٣٧٤). وقد سبق.
(٢) (ص ٢٠٨ ــ ٢٠٩).