للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كان عند عليّ نفسه صحيفة فيها أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما مرَّ. فإنْ صحَّتْ هذه الحكاية فإنما قال: «أحاديث علمائهم» ولم يقل: «أحاديث أنبيائهم». وكلمة «حديث» بمعنى «كلام»، واشتهارها فيما كان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اصطلاح متأخر.

وقد كان بعضُ الناس يثبتون كلام عليٍّ في حياته، وفي مقدمة «صحيح مسلم» (١) عن ابن عباس ما يُعلَم منه أنه كان عنده كتاب فيه قضايا عليّ، منها ما عرفه ابن عباس ومنها ما أنكره، ولفظه: «فدعا بقضاء عليّ فجعل يكتب منه أشياء، ويمرّ به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا عليّ إلا أن يكون ضلَّ. ثم ذَكَر عن طاووس قال: «أُتيَ ابنُ عباس بكتاب فيه قضاء عليّ ... ».

فإن صحّت هذه الحكاية (٢) فكأنّ بعض الناس كتب شيئًا من كلام عليّ أو غيره من العلماء، فتناقله الناس، فبلغ عليًّا ذلك فقال ما قال.

قال أبو ريَّة: (وعن الأسود بن هلال قال: أُتِيَ عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث فدعا بماء فمحاها ثم غسلها ثم أمر بها فأحرقت ثم قال: أُذَكِّر اللهَ رَجُلًا يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بديرِ هِنْد لبلغتُها. بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون).

أقول: روى الدارميّ (٣) هذه القصة من وجه آخر «عن الأشعت [بن أبي الشعثاء سليم بن أسود] عن أبيه ــ وكان من أصحاب عبد الله ــ قال: رأيت مع رجل صحيفة فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فقلت


(١) (١/ ١٣ ــ ١٤).
(٢) أي التي ذكرها أبو ريَّة وأخرجها ابن عبد البر.
(٣) (٤٩٦). وأخرجه ابن أبي شيبة (٢٦٩٧٧).