للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أواخر خلافة عثمان، وإذا صحَّ حديثُ البخاريّ عن أبي هريرة فالمعقول ــ إن كان أحدهما أخذ عن الآخر ــ أن يكون وهب أَخَذَهُ عن أبي هريرة أو بلَغه عنه. ووهب مع صغره مولود في الإسلام من أبوين مسلمَيْنِ، فتوسُّعُه في قراءة كتب الأوائل إنما يكون في كبره بعد وفاة أبي هريرة بمدّة. وهذا تنازل منِّي إلى عقل أبي ريَّة وأشباهه، فأما الحقيقة فمكانة أبي هريرة رضي الله عنه أعلى وأشمخ وأثبت وأرسخ من أن يحتاج المدافع عنه إلى مثل ما ذكرت.

ثم قال أبورية ص ١٧٧: (وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة أبي هريرة وغفلته أن كان يلقنه ما يريد بثَّه في الدين الإسلامي من خرافات وتُرَّهات، حتى إذا رواها أبو هريرة عاد فصدَّق أبا هريرة ... وإليك مثلاً من ذلك ... روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرأوا إنْ شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: ٣٠]. ولم يكد أبو هريرة يروي هذا الحديث حتى أسرع كعب فقال: صدق، والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد ... ومن العجيب أن يروي هذا الخبر الغريب وهب بن منبه .. ).

أقول: عزا أبو ريَّة هذا إلى «تفسير ابن كثير» (٥١٣: ٤ - ٥١٤) كذبًا، وأبدله في التصويبات (٢٨٩: ٤)، وهو كذب أيضًا، وإنما ذكر ابن كثير الحديث وما يتعلق به (١٨٧: ٨ - ١٨٩) (١)، ذكره من حديث أربعة [ص ١٤١] من الصحابة، ثلاثة في «الصحيحين» (٢) أبو هريرة وأبو سعيد الخدري


(١) (٧/ ٣٣٩٥ ــ ٣٣٩٦). وموجود أيضًا في الموضع الذي أشار إليه أبو ريَّة (٤/ ١٨٩٥ ــ ١٨٩٨).
(٢) حديث أبي هريرة في البخاري (٣٢٥٢)، ومسلم (٢٨٢٦). وحديث أبي سعيد عند البخاري (٦٥٥٣)، ومسلم (٢٨٢٨). وحديث سهل عند البخاري (٦٥٥٢)، ومسلم (٢٨٢٧).