للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحقيق ذلك يصعب على غير أهله، فلذلك أعرض قدماءُ النحاة عن الاحتجاج بالحديث، ووجدوا في المتيسّر لهم من القرآن وكلام العرب ما يكفي.

وذكر ص ٢٥٩ كلامًا للشيخ محمد عبده في حديث: أن يهوديًّا سَحَر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -.

أقول: النظر في هذا في مقامات:

المقام الأول: مُلخَّص الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - في فترة من عمره ناله مرض خفيف، ذكرت عائشةُ أشدَّ أعراضه بقولها: «حتى كان يرى أنه يأتي أهله ولا يأتيهم»، وفي رواية: «حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن» وفي أخرى: «يُخيَّل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله»، والرواية الأولى فيما يظهر أصح الروايات، فالأخريان محمولتان عليها ... وفي «فتح الباري» (١٩٣: ١٠) (١): «قال بعض العلماء: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فَعَل الشيء ولم يكن فَعَله، أن يجزم بفعله ذلك، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت».

أقول: وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا، فإن فيه شعوره - صلى الله عليه وسلم - بذاك المرض ودعاءه ربه أن يشفيه. فالذي يتحقَّق دلالةُ الخبر عليه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في تلك الفترة يعرض له خاطر أنه قد جاء إلى عائشة، وهو - صلى الله عليه وسلم - عالم أنه لم يجئها ولكنه كان يعاوده ذاك الخاطر على خلاف عادته، فتأذَّى - صلى الله عليه وسلم - من ذلك. وليس في حمل الحديث على هذا تعسُّف ولا تكلُّف.


(١) (١٠/ ٢٢٧).