للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: أما هذه الرواية فرجالها ثقات (١)، ولفظه: «أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من تمر فجعلته في مِكْتَل، فعلَّقناه في سقف البيت، فلم نَزَلْ نأكل منه حتى كان آخره أصابه أهلُ الشام حيث أغاروا على المدينة» يعني مع بُسْر بن أرطاة، وذلك بعد قتل عثمان بمدة (٢)، وهذه الرواية الأخيرة ليس فيها ما يُنكَر، والظاهر أن الإعطاء كان في أواخر حياة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

وقد جاءت أحاديثُ كثيرة بمثل هذا مِنْ بركة ما يدعو فيه النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا المعنى متواتر قطعًا، حتى كان عند الصحابة كأنه من قبيل الأمور المعتادة من كثرة ما شاهدوه. ومَن يؤمن بقُدرة الله عزوجل وإجابته دعاءَ نبيِّه وخَرْق العادة له لا يستنكر ذلك. نعم يَتوقَّف عما يرويه الضعفاء والمجهولون؛ لأنّ من شأن القُصَّاص وأضرابهم أن يطوِّلوا القضايا التي من هذا القبيل، ويزيدوا فيها، ويغيروا في أسانيدها، والله المستعان.

قال أبو ريَّة ص ١٨٩: (ومما [زعم المفتري أن أبا هريرة] وضعه في معاوية: ما أخرجه الخطيب عنه: ناول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معاوية سهمًا فقال: خذ هذا السهم حتى تلقاني به في الجنة).

أقول: في سنده وضَّاح بن حسّان عن وزير بن عبد الله ــ ويقال ابن عبد الرحمن ــ الجزري عن غالب بن عبيد الله العقيلي. وهؤلاء الثلاثة كلهم هَلْكَى مُتَّهمون بالكذب، ورابعهم أبو ريَّة القائل: إن أبا هريرة كيتَ وكيتَ. والخبر أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (٣)، وقد تفنَّن فيه الكذابون فرووه من حديث جابر، ومن حديث أنس، ومن حديث ابن عمر، وغير


(١) «مسند أحمد» (٨٢٩٩).
(٢) انظر «البداية والنهاية»: (١٠/ ٦٨٢). وكان ذلك في سنة أربعين من الهجرة.
(٣) (٨١٤).