للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ١٤] ثم قال أبو ريَّة ص ١٩: (وكان الإمام مالك يراعي كل المراعاة العمل المستمر والأكثر، ويترك ما سوى ذلك وإن جاء فيه أحاديث).

أقول: كان مالك رحمه الله يدين باتباع الأحاديث الصحيحة، إلا أنه ربما توقف عن الأخذ بحديث ويقول: ليس عليه العمل عندنا. يرى أن ذلك يدلُّ على أن الحديث منسوخ أو نحو ذلك.

والإنصاف أنه لم يتحرَّر لمالكٍ قاعدة في ذلك، فوقعت له أشياء مختلفة. راجع "الأم" للشافعي (٧: ١٧٧ - ٢٤٩) (١). وقد اشتهر عن مالك قوله: "كلّ أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر" (٢) يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقوله للمنصور ــ إذ عرض عليه أن يحمل الناس على "الموطأ" ــ: "إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في الأمصار فعند أهل كلّ مِصْر علم" (٣).

قال أبو ريَّة ص ١٩: (وقال [مالك] أحبّ الأحاديث إليّ ما اجتمع الناس عليه).

أقول: لا ريب أنَّ المُجْمَع عليه أعلى من غيره، مع قيام الحجة بغيره إذا ثبت عند مالك وغيره.

ثم حكى عن صاحب "المنار" قوله: (والنبي مبيِّن للقرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن (٤) لا يدخل فيه إبطال حُكْم من


(١) (٨/ ٥٢٤ فما بعدها ــ دار الوفاء).
(٢) ذكره أبو شامة في "خطبة الكتاب المؤمل" (ص ١٣٦) والذهبي في "السير": (٨/ ٩٣). وقد نُقِل نحوه عن عدد من السلف منهم ابن عباس ومجاهد وغيرهم. انظر "جامع بيان العلم وفضله": (٢/ ٩٢٥ ــ ٩٢٦).
(٣) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم": (١/ ٥٣٢). وفي سنده الواقدي.
(٤) في كتاب أبي ريَّة: "ولكن".