للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر ص ٤٩ وقوع الخطأ من عمر وابن عمر وعِتْبان بن مالك ــ أحد البدريين ــ وأبي الدرداء وأبي سعيد وأنس وغيرهم، والمخطئ عنده كاذب، بل مرَّ في كلامه ما يقتضي أنَّ كلَّ من حدَّث من الصحابة ــ ومنهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأمهات المؤمنين وغيرهم ــ لا بدَّ أن يكون وقع في الخطأ، فكلهم عنده كاذبون تنالهم لعنته. وأشدّ من هذا وأمَرّ ما مرَّت الإشارة إليه (ص ١٧ - ١٨) (١)، وهذه من فوائد عداوة السنة وأهلها.

البحث الثاني: في حقيقة الكذب (٢)

بنى أبو ريَّة على أنه (ليس بخاف أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، سواء أكان عن عمد أم غير عمد). وهو يعلم ــ فيما يظهر ــ أن هذا مخالف لقول شيخيه اللَّذَيْنِ يقدّسهما، وإيَّاهما ونحوهما عنى بقوله ص ٤: (العلماء والأدباء)، وقوله ص ١٩٦: (أصحاب العقول الصريحة) وهما النظَّام والجاحظ، فالكذب عند النظَّام: مخالفة الخبر لاعتقاد المخبر، وهو عند الجاحظ: مخالفته لكلا الأمرين معًا: الواقع، واعتقاد المخبر، فعلى القولين ما طابق اعتقاد المخبر فليس بكذب وإن خالف الواقع. وقد ذكر أبو ريَّة ص ٥٠ قولَ عائشة للذين حدَّثوها عن عمر وابنه بخبرٍ رأت أنهما وهِما فيه: «إنكم لتحدّثون عن غيرِ كاذِبَيْنِ، ولكن السمع يخطئ» (٣)، وقولها في خبر رواه ابن عمر: «إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ» (٤).


(١) (ص ٣٤ ــ ٣٧).
(٢) تقدم البحث الأول (ص ٩٣).
(٣) أخرجه مسلم (٩٢٩).
(٤) أخرجه مسلم (٩٢٣).