للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرب أهتزُّ لبلاغتها، وتعروني أريحية من جزالتها، وإذا قرأت بعض ما يُنسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قولٍ لا أجدُ له هذه الأريحية ولا ذاك الاهتزاز؛ وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة، والعاري عن الفصاحة، وهو أبلغ من نطق بالضاد، أَوَ يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة، وهو أحكم من دعا إلى رشاد) (١).

أقول: أما الأحاديث الصحيحة فليست هي بهذه المثابة، والاهتزاز والأريحية مما يختلف باختلاف الفهم والذوق والهوى، ولئن كان صادقًا في أن هذه حاله مع الأحاديث الصحيحة، فلن يكون حاله مع كثير من آيات القرآن وسُوَره إلا قريبًا من ذلك.

هذا، والبلاغة: مطابقة الكلام لمقتضى الحال. والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان همّه إفهام الناس وتعليمهم على اختلاف طبقاتهم، وقد أمره الله تعالى أن يقول: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: ٨٦]. والكلمات المنقولة عن العرب ليست بشيء يذكر بالنسبة إلى كلامهم كله، وإنما نُقِلت لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شعرهم قليل، وإنما نُقِل ما استجيد، والشعر مظنة التصنُّع البالغ، ومع ذلك قد تقرأ القصيدة فلا تهتزُّ إلا للبيت والبيتين. ثم إن كثيرًا مما نُقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رُوي بالمعنى كما يأتي. فأما سقم المعنى فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو ريَّة نفسه ص ١٠٤.

وذكر ابن أبي حاتم في "تقدمة الجرح والتعديل" (ص ٣٥١) في علامات الصحيح: "أن يكون كلامًا يصلح أن يكون من كلام النبوة". فإن


(١) هذه الفقرة بتمامها محذوفة من الطبعات اللاحقة.