للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظرهم عند تصحيح الحديث أدقّ مِن هذا. نعم، إن هناك مِن المحدِّثين من يسهِّل ويخفّف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثَّقوا رجلًا مطلقًا، فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى بالمعنى لم يغيّر المعنى. وإذا رأيتهم قد صحَّحوا حديثًا، فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه. فإنْ بان لهم خلاف ذلك نبَّهوا عليه كما تقدم (ص ١٨) (١).

وذكر أبو ريَّة ص ٥٤ فما بعدها كلامًا طويلًا في هذه القضية. وذكر اعتقاد شيوخ الدين أن الأحاديث كآيات القرآن (من وجوب التسليم لها وفرض الإذعان لأحكامها بحيث يأثم أو يرتدّ أو يفسق من خالفها ويستتاب من أنكرها أو شك فيها).

أقول: أما ما لم يثبت منها ثبوتًا تقوم به الحجة فلا قائل بوجوب قبوله والعمل به. وأما الثابت فقد قامت الحُجَج القطعية على وجوب قبوله والعمل به، وأجمع علماء الأمة عليه كما تقدم مرارًا. فمُنْكِر وجوب العمل بالأحاديث مطلقًا تُقام عليه الحجة، فإن أصرَّ بانَ كفرُه. ومنكر وجوب العمل ببعض الأحاديث إن كان له عذر من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها فمعذور، وإلا فهو عاصٍ لله ورسوله، والعاصي آثم فاسق. وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقًا، وقد مرَّ.

وذكر ص ٥٥ فما بعدها الخلافَ في جواز الرواية بالمعنى.

أقول: الذين قالوا: «لا تجوز» إنما غرضهم ما ينبغي أن يُعْمَل به في عهدهم وبعدهم، فأما ما قد مضى فلا كلام فيه، لا يطعن في متقدِّم بأنه كان


(١) (ص ٣٦ - ٣٧).