للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ما دام في فضيلة له، وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة، أو طمع ولكن لم يُجْدِهِ ترغيبٌ ولا ترهيبٌ في حَمْل أحد منهم على ذلك، فقد كان في وُسْعه أن يحدِّث هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد حدَّث عدد كثير من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بفضائل لأنفسهم وقَبِلَها منهم الناس ورووها وصحَّحها أئمة السنة.

ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكِّر في أن يكذب أو يحمل غيره على الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - مهما اشتدّت حاجتُه إلى ذلك. ومن تدبَّر هذا علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية أدلّ على فضله من أن تصح عندهم عدة أحاديث.

وأما الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث، فقد كان من حزب معاوية والموالين له عدد منهم، كان في وُسْعهم أن يكذبوا على بعض الصحابة الذين لقوهم ورووا عنهم، فيرووا عنه حديثًا أو أكثر في فضل معاوية [ص ٦٥] وينشروا ذلك فيمن يليهم من الثقات فيصححه أهل الحديث. فعدم وقوع شيء مِن ذلك يدلّ على أنّ الرواة الذين يوثّقهم أئمة الحديث ثقات في نفس الأمر.

وأما أئمة الحديث، فهم معروفون بحُسْن القول في الصحابة عامة وخصومهم ينقمون عليهم ذلك، كما تراه في فصل عدالة الصحابة من كتاب أبي رية (١)، ويرمونهم بالنَّصْب ومحبة أعداء أهل البيت والتعصب لهم. وتلك القضية براءة لهم؛ فلو كانوا من أهل الهوى المُتَّبع لأمكنهم أن


(١) (ص ٣١٠ ــ ط الأولى، ٣١٢ ــ ط السادسة). وانظر (ص ٣٦٥) من كتابنا هذا.