للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ١٤٦] ثم قال أبو ريَّة ص ١٨٠: (ومن عجيب أمر الذين يثقون بأبي هريرة ثقة عمياء أنهم يمنعون السهو والنسيان عنه، ولا يتحرَّجون من أن ينسبوهما إلى النبيّ صلوات الله عليه ... ).

أقول: لم يمنع أحدٌ أن يسهو أبو هريرة أو ينسى، ولكننا تصديقًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وإيمانًا به وببركة دعائه نقول: إن أبا هريرة لم ينس شيئًا من المقالة التي أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه لن ينسى منها شيئًا، وأنه فيما عداها من الحديث كان من أحفظ الناس له. ومن الناس من فهم أن خبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعدم النسيان يعمّ ما سمعه أبو هريرة منه في مجلسه ذلك وبعده، وقد مرَّ النظر في ذلك. والخير والفضل والكمال في ذلك كله عائد إلى الله ورسوله، فأما ما عدا الحديث فلم يقل أحدٌ إن أبا هريرة لا يسهو ولا ينسى.

ثم قال ص ١٨١: ( ... فلِمَ لم يحفظ القرآن؟).

أقول: ومن أين لك أنه لم يحفظه؟ غاية الأمر أنه لم يُذْكَر فيمن جمعَ القرآنَ في العهد النبويّ، والذين ذُكِرُوا أفرادٌ قليلون ليسوا من كبار الصحابة. وأبو هريرة من أئمة القراءات، وهو فيها أشهر شيخ للأعرج ولأبي جعفر القارئ، وهما أشهر شيوخ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أشهر القرَّاء السبعة، وبهذا عُلِم حفظه للقرآن وإتقانه. انظر ترجمته في «طبقات القراء» رقم (١٥٧٤) (١).

قال: (وكذلك لو كان أبو هريرة قد بلغ هذه الدرجة ... وهي عدم السهو والنسيان لاشتهر ... ).

أقول: قد علمتَ أنّ المتحقِّق هو أنه لم ينس ما حدَّث به النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في


(١) لابن الجزري. وانظر «معرفة القراء الكبار»: (١/ ٢١ ــ ٢٢) للذهبي.