للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى: «قد فعلتُ» (١). وقال الله تبارك وتعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥]، وقال سبحانه: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: ١٠٦]. والمخطئ أولى بالعذر من المُكْره.

[ص ٤٩] قد يقول أبو رية: كان للصحابة مندوحة عن الوقوع في الخطأ، وذلك بأن يَدَعوا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - البتة.

قلت: أنى لهم ذلك وهم مأمورون أن يبلغ شاهدهم غائبهم! كان ذلك في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده، وكان أصحابه يبلِّغ بعضُهم بعضًا، وكانوا يتناوبون كما في «الصحيح» عن عمر: «كنت أنا وجار لي من الأنصار ... وكنّا نتناوب النزولَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلتُ جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك ... » (٢).

وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢]. وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يبعث الرسل والأمراء ويأمرهم أن يبلِّغوا مَن أُرسلوا إليهم، ويجيء أفراد من القبائل فيسلمون ويتعلمون ويسمعون ويرجعون إلى قبائلهم فيبلغونهم. وقد علموا أنّ محمدًا رسول الله


(١) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (١٢٥)، ومن حديث ابن عباس (١٢٦) رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه البخاري (٨٩).