للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرواية. وسيأتي مزيد لهذا في فصل «عدالة الصحابة» (١).

وأما التابعون، فعامة من وثَّقه الأئمة منهم ممَن كثرت أحاديثه هم ممن زكَّاه الصحابة، ثم زكَّاه أقرانه من خيار التابعين، ثم اعتبر الأئمة أحاديثه وكيف حدَّث بها في الأوقات المتفاوتة، واعتبروا أحاديثه بأحاديث غيره من الثقات، فاتضح لهم بذلك كلِّه صدقه وأمانته وضبطه. وهكذا مَنْ بعدهم.

وكان أهل العلم يشدّدون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم ــ أظنه الحسن بن صالح بن حَيّ ــ أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث مِن رجل سألنا عن حاله حتى يقال: أتريدون أن تزوِّجوه؟ (٢).

وجاء جماعة إلى شيخ ليسمعوا منه، فرأوه خارجًا وقد انفلتت بَغْلَتُه وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أنّ المخلاة فارغة، فرجعوا ولم يسمعوا منه. قالوا: هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث.

وذكروا أن شعبة كان يتمنّى لقاء رجل مشهور (٣) ليسمع منه. فلما جاءه وجده يشتري شيئًا ويسترجح في الميزان، فامتنع شعبة من السماع منه. وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في «كفاية الخطيب» (ص ١١٠ - ١١٤).

وكان عامة علماء القرون الأولى ــ وهي قرون الحديث ــ مقاطعين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء، ولا يرضى بتولِّي القضاء، ومنهم مَنْ كان الخلفاء يطلبونهم ليكونوا بحضرتهم


(١) (ص ٣٦٥).
(٢) أخرجه الخطيب في «الكفاية» (ص ٩٣) عن الحسن بن صالح كما ظنّه المؤلف.
(٣) هو أبو الزبير المكي.