للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ثبت أنه سأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن أسعد الناس بشفاعته يوم القيامة فقال: «لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أولَ منك لما رأيت من حرصك على الحديث، ... » أخرجه البخاري في «صحيحه» (١)، وتأتي أخبار كثيرة لإثبات هذا المعنى.

وأما الأداء فإنما عاش أبو بكر زمن الأداء نحو سنتين مشغولًا بتدبير أمور المسلمين، وعاش عمر مدَّة أبي بكر مشغولًا بالوزارة والتجارة، وبعده مشغولًا بتدبير أمور المسلمين. وفي «المستدرك» (٩٨: ١) (٢): أنَّ معاذ بن جبل أوصى أصحابه أن يطلبوا العلم وسمَّى لهم: أبا الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام. فقال يزيد بن عَميرة: وعند عمر بن الخطاب؟ فقال معاذ: «لا تسأله عن شيء، فإنه عنك مشغول». وعاش عثمان وعليّ مشغولَيْنِ بالوزارة وغيرها ثم الخلافة [ص ١٠١] ومصارعة الفتن.

وكان الراغبون في طلب العلم يتهيَّبون هؤلاء ونظراءهم، ويرون أن جميع الصحابة ثقات أُمناء، فيكتفون بمن دون أولئك، وكان هؤلاء الأكابر يرون أنه لا يتحتَّم عليهم التبليغ إلا عندما تدعو الحاجة، ويرون أنه إذا (٣) جرى العمل على ذلك فلن يضيع شيء من السنة؛ لأن الصحابة كثير، ومدة بقائهم ستطول، وعروض المناسبات التي تدعو الحاجة فيها إلى التبليغ كثير، وفوق ذلك فقد تكفَّل الله عزّ وجلّ بحفظ شريعته، وكانوا مع ذلك


(١) (٩٩).
(٢) أصله عند الترمذي (٣٨٠٤)، والنسائي «الكبرى» (٨١٩٦)، وأحمد (٢٢١٠٤)، وابن حبان (٧١٦٥) وغيرهم دون قوله: «فقال يزيد بن عَميرة: وعند عمر ... » قال الترمذي: حسن غريب، وصححه الحاكم على شرط الشيخين.
(٣) (ط): «إذ».