للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحث مع صاحب «المنار»

قال ص ٣٣٩: ( ... بعد العلم القطعي لا مندوحة لنا عن أحد أمرين: إمّا الطعن في سند الحديث وإن صححوه؛ لأن رواية ما يخالف القطعي من علامات الوضع عند المحدّثين أنفسهم. وأقرب تصوير للطعن فيما اشتهر رواته بالصدق والضبط: أن يكون الصحابي أو التابعي منهم سمعه مِنْ مِثل كعب الأحبار. ونحن نعلم أنّ أبا هريرة روى عن كعب الأحبار، وكان يصدِّقه، ونرى الكثير من أحاديثه عَنْعنة (١) لم يصرح بسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن القطعيِّ أنه لم يسمع الكثير منها من لسانه - صلى الله عليه وسلم - لتأخُّر إسلامه، فمن القريب أن يكون سمع بعضها من كعب الأحبار، ومرسل الصحابيّ إنما يكون حجة إذا سمعه من صحابيٍّ مثله، ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب الأحبار وكان يصدِّقه. وإما تأويل الحديث بأنه مرويّ بالمعنى، وأن بعض رواته لم يفهم المراد منه فعبَّر بما فهمه ... ).

أقول: عليه في هذا مؤاخذات:

الأولى: أن الأمرين اللذين ذكر أنه لا مندوحة عنهما، وهما الطعن والتأويل لا يتعيّنان، بل بقي ثالث وهو التوقّف، ويتعيَّن حيث لا يتهيَّأ للنّاقد تأويل مقبول ولا طعن معقول.

الثانية: أنه قدَّم الطعنَ على التأويل، والواجب ما دام النظر في حديثٍ ثابت في «الصحيحين» تقديم التأويل.

الثالثة: قوله: «إن مخالفة القطعيَّ من علامات الوضع»، محلُّه إذا تحققت المخالفة، ولم يكن هناك احتمال للتأويل البتة.


(١) كذا ولعلها: «معنعنة».