للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: هذا الذي اقتصر عليه أبو ريَّة يوهم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليسوا معصومين عن تعمُّد الكذب في غير التبليغ، ولا عن الكبائر ولا عن صغائر الخسَّة. وفي هذه الكتب التي نقل عنها وغيرها بيانُ عصمتهم عن ذلك وعن غيره مما ترى تفصيله فيها.

احتاج أبو ريَّة إلى صنيعه ليردَّ كثيرًا من الأحاديث الصحيحة بزعم أنها لم تكن على وجه التبليغ، وأن الأنبياء إنما عُصِمُوا من الكذب في التبليغ. فليتدبر القارئ [ص ١٨] هذا مع قول أبي ريَّة نفسه في حاشية ص ٣٩: (ولعنة الله على الكاذبين، متعمدين وغير متعمدين)!

وذكر قصة التأبير، فدونك تحقيقَها: أخرج مسلم في "صحيحه" (١) من حديث طلحة قال: "مررتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم على رؤوس النخل فقال: "ما يصنع هؤلاء؟ " فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أظنُّ يغني ذلك شيئًا". قال: فأُخْبِرُوا بذلك فتركوه، فأُخْبِرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدَّثتكم عن الله شيئًا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل".

ثم أخرجه (٢) عن رافع بن خَديج وفيه: "فقال: لعلكم لولم تفعلوا كان خيرًا". فتركوه فنقصت .. فقال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر". قال عكرمة: أو نحو هذا".


(١) (٢٣٦١).
(٢) (٢٣٦٢). (ط): "فنقضت" خطأ، وفي مسلم: "فنفَضَت أو فنقصت".