للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان أبو ريَّة يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة فمن نفسه أُتي.

ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يَجِدْ مرًّا به العذبَ الزُّلالا (١)

قوله: (أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء).

كذا قال! وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو ريَّة ص ١٠٤: (ذكر المحققون أمورًا كلية يُعرف بها أن الحديث موضوع ... ) فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى نقلًا عنهم.

فإن قال: ولكنَّ مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.

قلت: أما المتثبّتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس. ومرْجِع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاحٍ لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر. وقد انتُقدت عليهما أحاديث من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك: إنهما لم يراعيا هذا أيضًا؟!

[ص ٥] قال ص ٥: (وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث روايته (٢) ... فإنهم قد أهملوا جميعًا أمرًا خطيرًا ... أما هذا كله .. فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخبارًا في بطون الكتب مبعثرة ... ).


(١) البيت للمتنبي "ديوانه" (ص ٩٥ ــ دار صادر). والرواية: "الماء" بدل "العذب".
(٢) غيَّرها أبو ريَّة في الطبعات اللاحقة: "من حيث العناية بسنده". وحذف أيضًا قوله: "أما هذا كله ... " إلى آخر الفقرة.