للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى حديث: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما يسمع» (١).

أقول: هذا الحديث عام يشمل ما يسمع مما يُعلم أو يُظن أنه كذب، وأبو هريرة إنما كان يحدّث بالعلم، بما يعلم أو يعتقد أنه صدق، فأين هذا من ذاك؟

وقال ص ١٧٠: (وروى أبو يوسف قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجيئني عن رسول الله يخالف قياسنا، ما نصنع به؟ فقال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي. فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ قال: ناهيك بهما. فقلت: وعلي وعثمان، قال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالًا - وعدَّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك).

أقول: لم يذكر مصدره. وهذه عادته (الحميدة) في تدليس بلاياه. ثم وجدت مصدره وهو «شرح نهج البلاغه» لابن أبي الحديد (١: ٣٦٠) (٢) عن أبي جعفر الإسكافي فراجع ما تقدم (ص ١٠٩) (٣).

ولا ريب أنَّ هذا لا يصح عن أبي يوسف ولا أبي حنيفة، والمعروف عنهما وعن أصحابهما في كتب العقائد والأصول وغيرها ما عليه سائر أهل السنة: أن الصحابة كلّهم عدول، وإنما يقول بعضهم: إن فيهم من ليس بفقيه أو مجتهد، قال ابن الهمام في «التحرير» (٤): « ... يقسم الراوي الصحابي إلى مجتهد كالأربعة والعبادلة، فيقدَّم على القياس مطلقًا، وعَدْل ضابط كأبي هريرة وأنس وسلمان وبلال فيقدَّم، إلا إن خالف كلَّ الأقيسة على قول عيسى والقاضي أبي زيد ... » ثم قال بعد ذلك: «أبو هريرة مجتهد» كما تقدّم.


(١) أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» (٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) (٤/ ٦٨).
(٣) (ص ٢١٠ ــ ٢١١).
(٤) (٤/ ١٣١ ــ ١٣٢ ــ مع شرحه التقرير).