للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يروي] [*] بالمعنى، ولا في روايته. لكنْ إن وقع تعارض بين مرويِّه ومرويِّ مَنْ كان يبالغ في تحرِّي الرواية باللفظ فذلك مما يرجّح الثاني. وهذا لا نزاع فيه.

ومدار البحث هو أن الرواية بالمعنى قد تُوقِع في الخطأ، وهذا معقول، لكنْ لا وجه للتهويل، فقد ذكر أبو ريَّة ص ٥٩: (قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة، المعنى واحد والألفاظ مختلفة). وكان ابن سيرين مِن المتشدِّدين في أن لا يروي إلا باللفظ، ومع هذا شهد للذين سمع منهم أنهم مع كثرة اختلافهم في اللفظ لم يخطئ أحد منهم المعنى. ولهذا لما ذُكر له أن الحسن والشعبي والنَّخَعي يروون بالمعنى اقتصر على قوله: «إنهم لو حدَّثوا كما سَمِعُوا كان أفضل» انظر «الكفاية» للخطيب (ص ٢٠٦).

ومن تدبَّر ما تقدّم من حال الصحابة وأنهم كانوا كلهم يراعون الرواية باللفظ، ومنهم من كان يبالغ في تحرِّي [ص ٥٧] ذلك. وكذا في التابعين وأتباعهم، وأنَّ الحديث الواحد قد يرويه صحابيان فأكثر، ويرويه عن الصحابي تابعيان فأكثر وهَلُمَّ جرًّا، وأن التابعين كتبوا، وأن أتباعهم كتبوا ودوَّنوا، وأن الأئمة اعتبروا حال كلِّ راوٍ في روايته لأحاديثه في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يروي الحديث مرَّة بما يحيل معناه في روايته له مرة أخرى جرحوه، ثم اعتبروا رواية كلِّ راوٍ برواية الثقات، فإذا وجدوه يخالفهم بما يحيل المعنى جرحوه، ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح، فلا يصحِّحون ما عرفوا له علة. نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه. من تدبَّر هذا ولم يُعْمِه الهوى اطمأنّ قلبُه بوفاء الله تعالى بما تكفَّل به من حفظ دينه، وبتوفيقه علماء الأمة للقيام بذلك، ولله الحمد. ويؤكِّد ذلك أن أبا ريَّة حاول أن يقدِّم شواهد


[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس بالمطبوع، وهو ثابت في الأصل الوارد من «عطاءات العلم» جزاهم الله خيرا.