للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: فأين يذهب أبو ريَّة من تَدْلية الشيطان لآدم إلى أن كان ما ذكره الله تعالى بقوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] ومِن قول موسى بعد قتله القبطي: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: ١٥ - ١٦]، ومن قول أيوب: {مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [? ص: ٤١]، وقول الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ١٩٩ - ٢٠١]. أما آية الحجر فعلى المشهور أن المراد بقوله: {إِنَّ عِبَادِي} [الحجر: ٤٢] عباده المخلصون خاصة، فقوله: {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: ٤٢] معناه والله أعلم: لن تُسَلَّط على إغوائهم الإغواء اللازم، لأن الكلام فيه لتقدم قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [? ص: ٨٢] وهذا لا ينافي أن يُسلَّط على بعضهم لإغواء عارض، أو لإلحاق ضرر لا يضر الدين.

ثم ذكر ص ١٤٧ ــ عن الرازي وغيره ــ: أن الخبر على خلاف الدليل لوجوه (أحدها: أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر، والصبي ليس كذلك).

أقول: ومن قال: إنّ النخسة دعاء إلى الشر؟ بل إن كانت للإيلام فقط فذلك من خُبْث الشيطان، مُكِّنَ منها كما مُكِّن مما أصاب أيوب، وكما يمكَّن الكفار من قتل المسلمين ــ حتى الأنبياء ــ وذبح أطفالهم. وإن كانت لإحداث أمرٍ مِن شأنه أن يورث القلب قبولًا ما للوسوسة بعد الكِبَر، فهذا لا يستدعي معرفة الخير والشر في الحال، والتمكين من هذا كالتمكين من الوسوسة والتزيين، وذلك من تمام أصل الابتلاء.