للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية بعد الكتاب. وانتصر الشاطبي في "الموافقات" (١) لهذا القول وأطال، ومما استدل به هو وغيره قول الله عزوجل: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٨٩ - ٩٠].

قالوا: فقوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} واضحٌ في أنَّ الشريعة كلها مبيَّنة في القرآن. ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ٤٤]. فعلمنا أنَّ البيان الذي في قوله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} غير البيان الموكول إلى الرسول. ففي القرآن سوى البيان المفصَّل الوافي بيانٌ مجمل، وهو ضربان: الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وتحريم الخبائث، وأكل أموال الناس بالباطل، أو غير ذلك.

الثاني: الأمر باتباع الرسول وطاعته وأخذ ما آتى والانتهاء عما نهى ونحو ذلك. وفي "الصحيحين" (٢) وغيرهما عن علقمة بن قيس النخعي ــ وكان أعلمَ أصحاب عبد الله بن مسعود أو مِنْ أعلمهم ــ قال: "لعن عبد الله الواشمات والمتنمِّصات والمتفلِّجات للحُسْن المغيرات خلق الله.


(١) (٤/ ٢٩٤ فما بعدها).
(٢) البخاري (٤٨٨٦، ٥٩٣٩)، ومسلم (٢١٢٥).