للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على اختلاف ضارّ وقع بسبب الرواية، فكان أقصى جهده ما يأتي:

قال ص ٦: (صيغ التشهدات)، وذكر اختلافها.

أقول: يتوهَّم أبو ريَّة ــ أو يوهم ــ أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما علّمهم تشهّدًا واحدًا، ولكنهم أو بعضهم لم يحفظوه، فأتوا بألفاظ مِن عندهم مع نسبتها إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وهذا باطل قطعًا؛ فإن التشهد يُكرَّر كلَّ يوم بضع عشرة مرّة على الأقل في الفريضة والنافلة، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُحفِّظ أحدهم حتى يحفظ. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقريء الرجلين السورة الواحدة هذا بحرف وهذا بآخر، فكذلك علّمهم مقدمة التشهُّد بألفاظ متعددة، هذا بلفظ وهذا بآخر. ولهذا أجمع أهل العلم على صحة التشهد بكلِّ ما صحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما ذِكْر عمر التشهد على المنبر (١)، وسكوت الحاضرين، فإنما وجهه المعقول: تسليمهم أن التشهد الذي ذكره صحيح مجزئ. وقد كان عمر يقرأ في الصلاة وغيرها القرآن ولا يَردُّ عليه أحد، مع أن كثيرًا منهم تلقّوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحرف غير الحرف الذي تلقّى به عمر، ومثل هذا كثير. ومن الجائز أن يكونوا ــ أو بعضهم ــ لم يعرفوا اللفظ الذي ذكره عمر، ولكنهم قد عرفوا أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - علَّم أصحابه بألفاظ مختلفة، وعمر عندهم ثقة.

وأما قول بعضهم (٢) بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: «السلام على النبي» بدل «السلام عليك أيها النبي» فقد يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - خيَّره بين اللفظين، وقد يكون


(١) أخرجه مالك في «الموطأ» (٢٤٠)، وابن أبي شيبة (٣٠٠٩)، والبيهقي: (٢/ ١٤٤) وغيرهم.
(٢) هو ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه عنه أحمد (٣٩٣٥)، والبخاري (٦٢٦٥)، ومسلم (٤٠٢) وغيرهم.