للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَكيدة مَهُولة

ثم قال: (لما قدم كعب إلى المدينة في عهد عمر وأظهر إسلامه أخذ يعمل في دهاء ومكر لِمَا أسلم من أجله من إفساد الدين وافتراء الكذب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - (١) ... ).

أقول: هذه مكيدة مَهُولة يُكَادُ بها الإسلام والسنّة، اخترعها بعض المستشرقين ــ فيما أرى ــ ومشت على بعض الأكابر وتبنَّاها أبو ريَّة وارتكب لترويجها ما ارتكب ــ كما ستعلمه ــ. وهذا الذي قاله هنا رَجْمٌ بالغيب، وتَظَنٍّ للباطل، وحَطٌّ لقوم فتحوا العالم ودبَّروا الدنيا أحكم تدبير إلى أسفل درجات التغفيل، كأنهم رضي الله عنهم لم يعرفوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ودينه وسنته وهديه، فقبلوا ما يفتريه عليه وعلى دينه إنسان لم يعرفه. وقد ذكر أبورية في مواضع حالَ الصحابة في توقف بعضهم عما يخبره أخوه الذي يتيقّن صدقه وإيمانه وطول صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل تراهم مع هذا يتهالكون على رجل كان يهوديًّا فأسلم بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بسنين، فيقبلون منه ما يخبرهم عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مما يُفسد دينه؟

كان الصحابة رضي الله عنهم في غنى تامّ بالنسبة إلى سنة نبيهم، إن احتاج أحدٌ منهم إلى شيء رجع إلى إخوانه الذين صحبوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وجالسوه، وكان كعب أعقل من أن يأتيهم فيحدّثهم عن نبيهم فيقولوا: مَنْ أخبرك؟ فإن ذَكَرَ صحابيًّا سألوه فيَبِين الواقع، وإن لم يذكر أحدًا كذَّبوه ورفضوه. إنما كان كعب يعرف الكتب القديمة، فكان يحدِّث عنها بآداب وأشياء في الزهد والورع أو بقصص وحكايات تناسب أشياء في القرآن أو السنة، فما وافق الحقَّ قبلوه، وما روأه باطلًا قالوا: مِنْ أكاذيب أهل الكتاب،


(١) قوله: «على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -» هذا أساس المكيدة المهولة الآتية. [المؤلف].