للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: لم أجد حديث أبي هريرة هذا بلفظ: «فلا صوم عليه» وإنما وجدته بلفظ «فلا يصم» ونحوه، ولا ريب أنه إذا كان في رمضان يلزمه قضاء ذاك اليوم. هذا، وقوله: «هي أعلم» لا يناقض جوابه المتقدم، وإنما المعنى: هي أعلم بذاك الشأن الذي تتعلّق به المسألة، ووجه ذلك واضح.

وقد عرفتَ صرامةَ عائشة وشدّة إنكارها ما ترى أنه خطأ. وسيأتي طرفٌ من ذلك (١) ــ وشدّتها على أبي هريرة خاصة ــ فاقتصارها إذ بلغها حديثُه هذا على أن بعثت إليه أن لا يحدِّث بهذا الحديث [ص ١٢١] وذِكْرها فِعْل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - = يدلّ دلالة قوية أنها عرفت الحديث ولكنها رأت أنه منسوخ بفعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.

ويؤيد هذا أنّ ابنَ اختها وأخصّ الناس بها وأعلمهم بحديثها: عُروة بن الزبير استمرّ قولُه على مقتضى الحديث الذي ذكره أبو هريرة، وهذا ثابت عن عروة، وانظر «فتح الباري» (١٢٤: ٤) (٢)، وذكر مثله أو نحوه عن طاووس وعطاء وسالم بن عبد الله بن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي، وهؤلاء من كبار فقهاء التابعين بمكة والمدينة والبصرة والكوفة. والنظر يقتضي هذا، وشرح ذلك يطول. وكأنَّ عُروة حَمَل فعلَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكرتْه عائشة على الخصوصية أو غيرها مما لا يقتضي النسخ.

واستدلّ الجمهور على النَّسْخ بقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧]. قالوا: فهذه الآية نَسَخَتْ بالإجماع


(١) (ص ٣٨٠ ــ ٣٨١).
(٢) (٤/ ١٤٧ ــ السلفية).