ما كان قبل ذلك من تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم، وهي تتضمن إحلاله في آخر جزء من الليل بحيث ينتهي بانتهاء الليل، ومن ضرورة ذلك أن يصبح جُنُبًا. فهذان شاهدا عَدْلٍ بصحة حديث أبي هريرة وصدقه؛ الأول: اقتصار عائشة على ما اقتصرت عليه. الثاني: مذهب تلميذها وابن اختها عروة.
وثَمَّ شاهد ثالث: وهو أن المتفق عليه بين أهل العلم وعليه دلَّ القرآن أنه كان الحكم أوَّلًا تحريم الجماع في ليالي رمضان بعد النوم، وأنَّ مَن فعل ذلك لم يصح صومه ذلك اليوم، والحكمة في ذلك ــ والله أعلم ــ أن يطول الفصل بين الجماع وبين طلوع الفجر، ولما كان من المحتمل أن يلجأ بعضُ الناس إلى السهر طول الليل ويجامع قبيل الفجر بحجّة أنه إنما جامع قبل النوم ناسب ذلك أن يحرّم كونه جُنبًا عند طلوع الفجر، ليضطرّ من يريد الجماع ممن يَسْهر إلى أن يقدّمه قبل الفجر بمدة تتسع له وللغسل بعده، فيحصل بذلك المقصود مِن طول الفصل. وهذا هو مقتضى حديث أبي هريرة.
وشاهد رابع: وهو أَنَّا مع عِلْمنا بصدق أبي هريرة وأمانته، لو فرضنا جدلًا خلاف ذلك، فأيّ غرض شخصيّ لأبي هريرة في أن يرتكب الكذب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليحمل الناس على ما تضمّنه حديثه؟ لا غرض له البتة، وإذًا فلابد أن يكون كان عنده دليلٌ فَهِمَ منه ذلك، وقد عرفنا أنَّه قَلّما يلجأ إلى الاستنباط الدقيق، وإنما يتمسَّك بالنصوص، وقد نصَّ هو على أن دليله هو ذاك الحديث، فبان أن الحديث كان عنده.
فهذه أربعة شهود على صِدْق أبي هريرة في هذا الحديث، وفوق ذلك ما ثبت من دينه وأمانته، ودلّ عليه الكتاب والسنة كما يأتي في فصل عدالة