للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومقطع الحق أن ليس بيد من يتَّهم كعبًا بالمؤامرة غير كلمات يُروى أن كعبًا قالها لعمر. وقد كان عمر والصحابة أعلم بالله ورسله وكتبه منَّا، وأعْلَم بعد أن طُعِن عمر بالمؤامرة وقد انكشفت وهو حيّ، وأعلم بحال كعب لأنه صَحِبَهم وجالسهم. والمعقول أنه لو كان في ما خطب به عمر ما يوجب اتهامه لاتهموه، وقد علمنا أنهم لم يتهموه لا قبل انكشاف المؤامرة ولا بعده، فوجب الجزم بأنه لم يقع منه ما يقتضي اتهامه.

قال أبو ريَّة ص ١١٨: (حديث الاستسقاء ... ).

حكى أنّ كعبًا في عام الرمادة قال لعمر: «إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعَصَبة الأنبياء».

أقول: لم يعزُ هذا إلى كتابٍ لينظر في سنده، ولا أراه إلا ساقطًا (١).

قال: (ومما لا مراء فيه أن هذا اليهودي قد أراد بقوله هذا أن يخدع عمر عن أول أساس جاء (٢) عليه الدين الإسلامي وهو التوحيد الخالص، ليزلقه إلى هوَّة التوسل الذي هو الشرك بعينه).

أقول: أما المسلمون الذي يعرفون الإسلام، فالذي لا مراء فيه عندهم أن أبا ريَّة مجازف، وأنه على فرض صحّة هذه الحكاية ليس فيها ما يدلّ على سوء طوية كعب، وأن استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما لا علاقة له بالشرك البتة، بل هو أمر يقره الشرع إجماعًا، ويؤيده الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ


(١) ذكر الخبر ابنُ عبد البر في «الاستيعاب»: (٢/ ٨١٤)، والعسكري في «الأوائل» (١/ ٢٥٥ ــ ٢٥٦) وأسنده إلى المدائني عن شيوخه، فالسند كما قال المؤلف.
(٢) كذا في (ط) والذي في كتاب أبي ريَّة: «قام».