للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: إن كانت الإسرائيليات تشمل عند أبي ريَّة كلَّ خبرٍ فيه فضيلة لموسى عليه السلام ففي القرآن كثير منها، بل في عدة آيات منه ذِكْر تفضيل بني إسرائيل على العالمين وغير ذلك. وإن كانت خاصة بما ألصق بالإسلام وليس منه من مقولات أهل الكتاب، فلم يزل أهل العلم يتتبعونها ويزيِّفونها. أما سكوتهم عن محاولة تزييف ما ثبت في أحاديث الإسراء فعذرهم واضح، وهو أنه لم يبلغ أحدٌ منهم في العلم والعقل والحياء مبلغ أبي رية. ودونك الجواب:

كانت الصلاة قبل الهجرة ركعتين ركعتين كما ثبت في «الصحيح» (١)، فخمسون صلاة مائة ركعة، وليس أداء مائة ركعة في اليوم والليلة بمستحيل، وفي الناس الآن من يصلي في اليوم والليلة نحو مائة ركعة، ومنهم من يزيد، وفي تراجم كثير من كبار المسلمين أنَّ منهم من كان يصلي أكثر من ذلك بكثير، بل إن أداء مائة ركعة في اليوم والليلة ليس بعظيم المشقَّة في جانب ما لله عز وجل من الحقّ وما عنده من عظيم الجزاء في الدنيا والآخرة، نعم قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ٤٥ - ٤٦]. وما وقع في كلام موسى: «إن أمتك لا تطيق» وفي رواية: «لا تستطيع» ليس معناه أن ذلك مستحيل، وإنما معناه أن ذلك يشقُّ عليها، ولهذا أطلق هذه العبارة بعد بيان رجوع الصلاة إلى خمس، قال موسى: «إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم». وراجع «مفردات [ص ٨٥] الراغب» (٢) (طوع) و (طوف).

فأما الله تعالى فالفرض في عِلْمِه خمس صلوات فقط. ولكنه سبحانه


(١) البخاري (٣٥٠)، ومسلم (٦٨٥) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٢) (ص ٥٢٩ - ٥٣٢ ــ دار القلم).