للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم الخ» [ص ٨٧] فلم يَنْهَ عن السماع والاستماع، وإنما نهى عن التصديق والتكذيب. ولا ريب أن المنهيّ عنه هو التصديق المبنيّ على حُسن الظنّ بصحفهم، والتكذيب المبنيّ على غير حجة، فلو قامت حجة صحيحة وجب العمل بها.

قال: (وروى البخاري ... عن ابن عباس أنه قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على رسول الله أحدث الكتب تقرؤونه محضًا لم يُشَبْ، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدَّلوا كتابَ الله وغيروه الخ).

أقول: هذا مِن قول ابن عباس، وقد علمنا أنه كان يسمع ممن أسلم من أهل الكتاب، وقد رُوي أنه سأل بعضهم، وأبو ريَّة يُسْرِف في هذا حتى يرمي ابنَ عباس بأنه (تلميذ لكعب)، وبالتدبُّر يظهر مقصوده، ففي بقية عبارته: «لا والله ما رأينا رجلًا منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم» فدلّ هذا أن كلامه في أهل الكتاب الذين لم يُسْلموا، فأما الذي أسلموا فعَمَل ابن عباس يقتضي أنه لا بأس للعالم المحقق ــ مثله ــ أن يسأل أحدهم.

قال ص ١٢٥: (وروى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود قال: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يَهدوكم وقد ضلوا. إما أن تكذِّبوا بحق أو تصدّقوا بباطل»).

أقول: في سنده نظر (١)، فإن صحّ فقد تقدَّم معناه في حديث جابر وأثر ابن عباس (٢).


(١) أخرجه عبد الرزاق (١٠١٦٢)، وابن جرير (١٨/ ٤٢٣) من طريق الأعمش عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير به. وأخرجه ابن أبي شيبة (٢٦٩٥٢) من طريق الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد به. وسنده كما قال المؤلف، ففيه حريث بن ظهير قال الذهبي: لا يُعرف، وقال الحافظ: مجهول.
(٢) تقدّما قريبًا.