للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوجه الله. فأعتقته» انظر «فتح الباري» (٨/ ٧٩) (١) فقد يكون الغلامُ أبقَ منه قبل صحبته للرفقة.

وبهذا تبَّين أن في القصة مَنْقَبتَيْنِ له: الأولى: أن إخدامه لنفسه إنما كان ليبلغ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ودار الإسلام. والثانية: أنه مع قلة ذات يده أعتق غلامه، شكرًا لله تعالى على إبلاغه مقصده. وفي القصة عبرة بالغة، فإنه لما أذلَّ نفسَه بخدمة تلك المرأة استعانةً على الهجرة في سبيل الله عوَّضه الله تعالى بأن زوَّجه إياها تخدمه فوق ما خَدَمها. ثم كان على طريقته في التواضع والتحديث بالنعمة والاعتبار مع الميل إلى المزاح يذكر هذه القصة ويشير إلى تكليف امرأته بخدمته على نحو ما كانت تكلِّفه. وقد يكون وقع منه ذلك مرة أو مرتين على سبيل المزاح ومداعبة الأهل وتحقيق العبرة. وقد ثبت عن أبي المتوكل الناجي ــ وهو ثقة ــ: «أن أبا هريرة كانت له أَمَة زنجية قد غمَّتهم بعملها، فرفع عليها السوط يومًا ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوجَ ما أكونُ إليه (يعني الله عز وجل) اذهبي فأنت حرة لله عز وجل» انظر «البداية» (١١٢: ٨) (٢).

فمَنْ كانت هذه حاله مع أَمةٍ مهينة، فما عسى أن تكون حاله مع امرأته الحرَّة الشريفة؟ ولكن أبا ريَّة ذكر ص ١٨٧ بعض الألفاظ التي انفردت بها بعض الروايات (٣)، ثم راح يسبّ أبا هريرة رضي الله عنه ويرميه بما هو من


(١) (٨/ ١٠٢).
(٢) (١١/ ٣٨٥ ــ دار هجر). وأخرجه أحمد في «الزهد» (ص ١٧٧).
(٣) منها: «فكلفتها أن تركب قائمة وأن تورد حافية» وأصح من هذه الرواية ما في «كنز العمال» (٨٢: ٧) عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين «فقلت: لتوردنه حافية ولتركبنه وهو قائم». وأصح من هذا: ما أسنده ابن سعد في «الطبقات» (٥٣٢: ٤) عن ابن سيرين « ... ولتركبنه قائمة» فلعل بعض الرواة لم يفهم النكتة فغيَّر اللفظ، وأي حرج عليها أن تركب البعير باركًا وهي قائمة عند الركوب وتكون حافية وهي راكبة؟ وفي رواية عبد الرزاق قول ابن سيرين: «وكانت في أبي هريرة مزاحة» وقد يكون مازَحَها بهذا القول، ثم لم يكن إيراد ولا ركوب. [المؤلف].