للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: عزاه إلى «البداية» (٨: ١٠٩) (١) وهو هناك عن ابن إسحاق عن عمر ــ أو عثمان ــ بن عروة بن الزبير عن عروة قال: «قال لي أبي ــ الزبيرـ: أَدْنِني من هذا اليماني ــ يعني أبا هريرة ــ فإنه يكثر الحديثَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأدنيته منه، فجعل أبو هريرة يحدّث، وجعل الزبير يقول: صدق، كذب. صدق، كذب. قال: قلت: يا أبت ما قولك: صدق، كذب؟ قال: يا بني أما أن يكون سمع هذه الأحاديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أشكّ فيه، ولكن منها ما يضعه على مواضعه، ومنها ما وضعه على غير مواضعه».

أقول: في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥] الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمّهم بعقابه». انظر «تفسير ابن كثير» (٣: ٢٥٧) (٢).

فالوضع على غير الموضع ليس بتغيير اللفظ، فإن الناس لم يغيّروا مِن لفظ الآية شيئًا، وإنما هو الحَمْل على [غير] (٣) المحمل الحقيقي. ومثال ذلك في الحديث: أن [ص ١٢٤] يذكر أبو هريرة حديث النهي عن الادّخار مِن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، وحديث النهي عن الانتباذ في الدّبّاء والنقير والمزفَّت، فيرى الزبير أن النهي عن الادخار إنما كان لأجل الدافَّة، وأنّ النهي عن الانتباذ في تلك الآنية إنما كان إذ كانوا حديثي عهد بشرب الخمر؛


(١) (١١/ ٣٧٥ ــ ٣٧٦). وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه»: (٦٧/ ٣٥٦).
(٢) (٣/ ١٢٦٠ ــ ١٢٦١).
(٣) سقطت من (ط).