للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكمًا أو زلَّة تِيبَ منها أو كان لصاحبها تأويل.

الوجه الثاني: أن القرآن جعل الكذب على الله كفرًا، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: ٦٨] والكذب على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرَّح بعضُ أهل العلم بأنه كفر، واقتصر بعضُهم على أنه من أكبر الكبائر (١)، وفرَّق شيخُ الإسلام ابن تيمية بين من يُخْبِر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا وساطة، كالصحابي إذا قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، وبين غيره، فمال إلى أن تعمُّد الأول للكذب كفر وتردَّد في الثاني (٢). ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوِّغ احتمال وقوع الكفر منه. هب أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كفرًا، فإنه ــ على كل حال ــ يراه أغلظ جدًّا من الزلات والهفوات المنقولة.

الوجه الثالث: أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكّك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدَّثوا به عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابيّ آخر عنه، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم، مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له، وراجع (ص ٦٤) (٣).


(١) انظر «الصارم المسلول»: (٢/ ٣٢٨ فما بعدها)، و «فتح الباري»: (١/ ٢٠٢)، و «شرح النووي» (١/ ٦٩).
(٢) انظر «الصارم المسلول»: (٢/ ٣٣٣).
(٣) (ص ١٢٥ ــ ١٢٦).