للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان يجتمع لدى الشيخ جماعةٌ من هؤلاء، كلّهم حريص على السماع منه، وعلى الاستكثار ما أمكنه في أقلِّ وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك لقلَّة ما بيده من النفقة، ولأنه يخاف أن يموت الشيخُ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم. فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويُلحُّون عليه ويُبْرِمونه، فيتعب ويضيق بهم ذرعًا، وهو إنسان له حاجات، وأوقات يجب أن يستريح فيها، وهم لا يَدَعُونه، ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلامًا بسلام، بل يريدون اختباره ليتبيَّن لهم أضابط هو أم لا؟ فيورِدون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنَّة الغلط ويناقشونه في [ص ٢١٠] بعض الأحاديث، ويطالبونه بأن يُبرز أصلَ سماعه. وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط أو استنكروا شيئًا من حاله، خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا ألحَّ عليه الطلبة وضاق بهم ذرعًا أطلق تلك الكلمات: «أنتم سخنة عين. لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربًا. ما رأيت علمًا أشرف ولا أهلًا أسخف من أهل الحديث. صرت اليوم ليس شيء أبغض إليّ من أن أرى واحدًا منهم. إن هذا الحديث يصدّكم عن ذِكْر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون. لأنا أشدُّ خوفًا منهم من الفساق»؛ لأنهم يبحثون عن خطئه وزلله ويشيعون ذلك.

والغريب أنَّ أولئك الطلاب لم يكونوا يَدَعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروونها فيما يروون، فيذكرها من يريد عتاب الطلاب وتأديبهم كابن عبد البر، ويهتبلها أبو ريَّة ليعيب بها الحديثَ وأهلَه جملةً.