للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خشية أن يكون منها ما أخطأ فيه الذي حدَّثه به، وخشية أن يردَّ الناسُ غيرها من الحديث بحجة أنه لو كان صحيحًا لكتبه أبو بكر.

وذكر أثرًا عن عمر أنه جمع الصحابة واستشارهم في كتابة السنن، فأشاروا بذلك، ففكَّر عمر مدَّة ثم عزم أن لا يكتبها قائلًا: إني ذكرتُ قومًا كانوا قبلكم كتبوا كُتُبًا فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله ....

وهذان الأثران ــ إنْ صحَّا ــ فدلالتهما واضحة على أن أبا بكر وعمر وسائر الصحابة كانوا يرون أن كتابة الحديث لم ينه عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما كانوا يجتهدون برأيهم.

ودين الإسلام دين واحد إنما تختلف الأحكام باختلاف أحوال الناس، فكلّ من سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرًا فهو قطعي في حقّه يحكم عليه بحسب ذلك، ومَن لم يكن حاضرًا وأخبره الذي كان حاضرًا فحكمه بحسبه، وهلم جرًّا.

وبعض الأحكام التي هي بين المسلمين معلومة بالضرورة قد يجهلها بعض مَن يُسلم، ثم يبقى بعيدًا عن المسلمين أو يتصل به معرفتها بما لا يفيده إلا الظن، فيكون حكمه بحسب حاله، [ص ٥] وبعض الأخبار التي هي عند الجاهل بالحديث ظنيَّة لأنه إنما أخذ بقول أهل الحديث أنها ثابتة كما يأخذ أحدنا بقول الطبيب، هي عند بعض أهل الحديث العارفين له يقينية، والحكم على كلٍّ بحسبه.

فأما المنكِرُ والمرتاب فإن حكمه يختلف لأمرين؛ الأول: بذل الوسع وعدمه، الثاني: منشأ الإنكار والارتياب، فإنه قد يكون أمرًا لا تَبِعةَ فيه، وقد يكون بخلاف ذلك؛ كأن يكون منشؤه عدم الإيمان بالدين أو بأمر يقوم عليه