للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: نظرية «دين عام ودين خاص» مردودة عليه، وقد تقدمت الإشارة إليها (ص ١٥) (١). وحديث الإذن لعبد الله بن عَمرو قاطعٌ لشَغَبه البتة.

قال صاحب «المنار»: «ولنا أن نستدلّ على كون النهي هو المتأخر بأمرين، أحدهما: استدلال من روي عنهم من الصحابة الامتناع عن الكتابة ومنعها بالنهي عنها وذلك بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -».

أقول: لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمرويّ عن زيد بن ثابت متفق على ضعفه، [ص ٢٩] وعن أبي سعيد روايتان: إحداهما فيها الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر فيها امتناع أبي سعيد. ونحن لم نقل في هذا: إنه منسوخ، إنما قلنا: إنه إما خطأ والصواب عن أبي سعيد من قوله، كما قال البخاري وغيره، وإما محمول على أمر خاص تقدَّم بيانه. وثانيتهما: رواية أبي نضرة عن أبي سعيد امتناعه هو، وليس فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى.

وقد بقيت صحيفةُ عليّ عندَه إلى زمن خلافته، وكذلك بقيت صحيفة عبد الله بن عَمرو عنده ثُمَّ عند أولاده كما مرَّ (٢)، فلو كان هناك نَسْخ لكان بقاء الصحيفتين دليلًا واضحًا جدًّا على أنّ الإذن هو المتأخِّر، وتقدّم أن عمر عزم على الكتابة وأشار عليه الصحابة بها، ثم تركها لمعنى آخر، ولم يذكروا نهيًا كان من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك صريح فيما قلنا. وقد أجاز الكتابة من الصحابة: عبد الله بن عَمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وأنس رضي الله عنهم، وروى هارون بن عنترة عن أبيه، أن ابن عباس رخَّص فيها (٣)، ثم أجمعت عليها الأمة.


(١) (ص ٣١ ــ ٣٣) من هذه الطبعة.
(٢) (ص ٤٧).
(٣) سبق ذكر هذه الأخبار وتخريجها (ص ٤٧ ــ فما بعدها).