للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَمْثَلُهُمْ} راجع إلى الناس أو إلى المذكورين من الفريقين، ومعنى ضرب الأمثال: أن جعل الكفار بكفرهم (٢٦٢ /أ) كالذين تبعوا الباطل، والمؤمنين كالذين تبعوا الحق، وأن جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين. {لَقِيتُمُ} من اللقاء وهو الحرب. {فَضَرْبَ الرِّقابِ} مصدر محذوف الفعل بمعنى الأمر، وضرب الرقاب كناية عن القتل ولو وقع بغير ضرب العنق كما قلنا: بما كسبت يداك، ولو كسب بكونه حارس بستان قيل: بما كسبت يداه. {أَثْخَنْتُمُوهُمْ} أكثرتم القتل فيهم، مأخوذ من الشيء الثخين، ومنه: {حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (١) أي: يكثر القتلى فيها، و {الْوَثاقَ} بالفتح والكسر: اسم ما يوثق به. {فَشُدُّوا الْوَثاقَ} فأسروهم {مَنًّا} و {فِداءً} المصدران فعلاهما مضمران، ويعني الخيار بعد أسرهم من القتل والمن، وعند أبي حنيفة يتخير الإمام بين القتل والاسترقاق، ولا من عنده ولا فداء، ويقول: كان المن والفداء في ابتداء الإسلام، وضعف المسلمين؛ وأما اليوم فقد أعز الله الإسلام. وعند الشافعي: يتخير الإمام بين أمور أربعة: القتل والاسترقاق والمن والفداء، وهو ظاهر القرآن، وقد منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي عروة، فادى رجلا برجلين من المشركين وهذا كله منسوخ عند أصحاب الرأي (٢).

وأوزار الحرب: آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها. فإن قلت: بم تعلق" حتى"؟

قلت: المعنى عند الشافعي: أن لا يزال التخيير بين أمور أربعة {حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها}.

وقيل: حتى ينزل عيسى عليه السلام. وعند أبي حنيفة: المعنى: إذا علق بالضرب والشد: أنهم يقتلون ويؤسرون حتى يضع جنس الحرب الأوزار، وإذا علق بالمن والفداء، فالمعنى: أنه يمن عليهم ويفادي حتى تضع الحرب أوزارها (٣). {ذلِكَ} أي: الأمر ذلك، أو افعلوا ذلك. {لانْتَصَرَ مِنْهُمْ} أي: لا نتقم منهم ببعض أسباب الهلاك {وَلكِنْ} أمركم بالقتال {لِيَبْلُوَا} المؤمنين بالكافرين. وعن قتادة: نزلت في يوم أحد.


(١) سورة الأنفال، الآية (٦٧).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي (١٣٩، ١٠/ ١٣٨)، بدائع الصنائع للكاساني (١٢٠، ٧/ ١١٩)، أحكام القرآن للجصاص (٥/ ٢٧١).
(٣) ينظر: المهذب للشيرازي (٢٣٦، ٢/ ٢٣٥)، الأم للإمام الشافعي (٤/ ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>