للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إن "لا" رد لأمر سبق لأنهم أنكروا البعث فقيل لهم: لا وجه لإنكاركم إياه ثم قيل: أقسم بيوم القيامة.

{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣)}

فإن قلت: فقوله - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} (١). والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي، فهلا زعمت أن "لا" التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف عليه هاهنا منفيا كقولك: لا أقسم بيوم القيامة لا تتركون سدى؟ قلت: لو قصروا الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول وجه، ولكنه لم يقصر ألا ترى كيف لقى {لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ} بقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ} (٢).

وكذلك قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ} أجيب بقوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} (٣).

وقرئ: "لأقسم" (٤).على أنه جعل اللام لام الابتداء، و "أقسم" خبر مبتدأ محذوف معناه: لأنا أقسم. قالوا: ويعضده أنه في الإمام بغير ألف.

{بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ} هي النفس المتقية التي تلوم نفسها على التقصير أي: في القيامة. وعن الحسن: إن المؤمن لا تراه إلا لائما نفسه (٣٢٢ /ب) وإن الكافر يمضي فيما هو عليه لا يعاتب نفسه (٥). وقيل: هي نفس آدم لم تزل تتلوم على فعلها. وجواب القسم: ما دل عليه وهو قوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ} وهو لتبعثن.

وروي أن الأخنس بن شريق قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أخبرني عن القيامة كيف هي؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: لو شاهدت ذلك بعيني لما صدقتك أو يجمع الله العظم الرميم؟


(١) سورة النساء، الآية (٦٥).
(٢) سورة البلد، الآيات (١ - ٤).
(٣) سورة الواقعة، الآيات (٧٥ - ٧٧).
(٤) قرأ بها ابن كثير في رواية قنبل عنه. تنظر في: الإملاء للعكبري (٢/ ٢٧٤)، البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٢١٣)، تفسير للقرطبي (١٧/ ١٢٣)، الحجة لابن خالويه (ص: ٣٥٦)، الحجة لأبي زرعة (ص: ٧٣٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٦٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦٦١)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٥٩)، المحتسب لابن جني (٢/ ٣٤١)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٨٢).
(٥) رواه الطبري في تفسيره (٢٩/ ١٧٤)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٣٤٣) لعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس عن الحسن رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>