للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقول لمن أبعد في البرية (١) وهو تائه فإنك تقول له: أين تذهب، مع أنه ليس له مقصد صحيح حتى تسأله عنه. لكن يصير تقدير كلامك: لا مذهب لك فتقصده. هذا معنى قوله: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ} {إِنْ هُوَ} القرآن {إِلاّ ذِكْرٌ} شرف أو موعظة.

{وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)}

قوله: {لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}

قال فخر الدين بن خطيب الري (٢) "حضرت في مجلس فيه جماعة من المعتزلة، فقال قائل منهم: كيف تصنع بقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ} (٣) فقد فوض المشيئة في الإيمان والكفر إلى العبد؟ قلت: هذه الآية حجة لي على مذهبي فإنني أعتقد أن الله - تعالى - يشاء أن يشاء العبد فيشاء العبد فيفعل، ويدل على ذلك قوله في هذه السورة: {وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)} فيكون الفعل موقوفا على مشيئة العبد، ومشيئة العبد موقوفة على مشيئة الله؛ لقوله: {وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} وقال في آخر" هل أتى ": {وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠)} (٤) (٣٣٢ /ب).

***


(١) البرية: الصحراء والجمع البراري. مختار الصحاح (١/ ١٩).
(٢) ينظر كلامه في: تفسيره مفاتيح الغيب (٢١/ ١٢٠) وهو محمد بن عمر بن الحسين بن علي القرشي التيمي البكري أبو المعالي وأبو عبد الله المعروف بالفخر الرازي ويقال له ابن خطيب الري أحد الفقهاء الشافعية المشاهير كان فريد عصره ومتكلم زمانه رزق الحظوة في تصانيفه التي بلغت نحوا من مائتي مصنف منها تفسير كبير، سماه مفاتيح الغيب والمحصول والمنتخب وتأسيس التقديس وغيرها. توفي سنة ٦٠٦ هـ‍. تنظر ترجمته في: البداية والنهاية (١٣/ ٥٥)، شذرات الذهب (٣/ ٢١)، طبقات الشافعية (٨/ ٨١).
(٣) سورة الكهف، الآية (٢٩).
(٤) سورة الإنسان، الآية (٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>