للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤)}

{مِثْلُها} مثل عاد {فِي الْبِلادِ} عظم إجرام وقوة، وكان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع، وكان يأتي الصخرة العظيمة، فيقلبها على الحي فيهلكهم، أو لم يخلق مثل مدينة شداد في بلاد الدنيا. {جابُوا:} قطعوا، نحتوا الجبال، واتخذوا فيها بيوتا.

وقيل: أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة. وقيل لفرعون: {ذِي الْأَوْتادِ؛} لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا، أو لتعذيبه بالأوتاد، كما فعل بماشطة بنته وبآسية.

{الَّذِينَ طَغَوْا} في محل نصب على الذم، أو مرفوعا على هم الذين طغوا، أو مجرورا ردّا على قوله بعاد وثمود وفرعون، وذكر السوط ليدل على أن ما يعذب به في الدنيا نسبته إلى عذاب الآخرة كنسبة السوط إلى آلات العقوبة.

وكان الحسن إذا قرأها يقول: إن عند الله أسواطا كثيرة فأخذهم بسوط منها (١).

المرصاد: المكان الذي يترقب فيه من يمر أو يأتي، وقيل لبعض العرب: أين ربك؟ قال:

بالمرصاد. وقرأ عمر بن هبيرة هذه السورة على أبي جعفر المنصور، فلما وصل إلى هاهنا قال: إن ربك لبالمرصاد يا أبا جعفر. يعني: إنك من قوم ينذرون بذلك.

قوله: {فَأَمَّا الْإِنْسانُ} متصل بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} فأما الإنسان فلا يهمه إلا العاجلة، وجعل كثرة الرزق ابتلاء وكذلك جعل ضيقه وتقتيره ابتلاء؛ لأن الله تعالى يبتلي العبد بالنعمة ليظهر كيف يشكره عليها، ويبتليه بالشدة؛ ليظهر صبره عليها.

{جَمًّا} كثيرا شديدا. {دَكًّا} بعد دكّ. قوله: {وَجاءَ رَبُّكَ} أي: جاء سلطانه، ونفوذ أحكامه وأوامره (٢) {صَفًّا صَفًّا} تنزل ملائكة كل سماء، فيصطفون صفا بعد صف.


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٤٨).
(٢) تقدم الكلام غير مرة أن عقيدة السلف الصالح من أهل السنة والجماعة هي إمرار آيات الصفات -

<<  <  ج: ص:  >  >>