للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، والمصطفى من العالم كله، ولا منزلة أعلى من ذلك، أعلمه أن منزلته في الآخرة أعظم.

{أَلَمْ يَجِدْكَ} ألم يعلمك، متعديا إلى مفعولين، والمعنى: ألم تكن يتيما؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي أبوه وهو جنين قد مضى عليه ستة أشهر، وماتت أمه وهو ابن ثماني سنين، فكفله عمه أبو طالب، ومن بدع التفاسير: أنه من قولهم: درة يتيمة. وأن المعنى: ألم يجدك واحدا في قريش عديم النظير، فآواك، أي: فضمك إلى عمك أبي طالب (١).

{وَوَجَدَكَ ضالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)}

{ضالاًّ} أي غير عالم بالشرائع فهداك للعلم بها. وقيل: ضل في صباه ببعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبد المطلب. وقيل: أضلته حليمة حين فطمته، وجاءت به لترده على عبد المطلب، فأضلته عند باب مكة. وقيل: ضل في طريق الشام حين خرج مع عمه أبي طالب، فهداك: فعرفك القرآن والشرائع. ومن قال: كان على أمر قومه أربعين سنة. فإن أراد (٣٤٣ /أ) بذلك خلو قومه عن معرفة الشرائع فصحيح، وإن أراد أنه على دينهم وكفرهم فمعاذ الله. وهذا كفر يقتل قائله بالسيف، والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها من الصغائر، فكيف من الكبائر؟! {عائِلاً} فقيرا، فأغناك بمال خديجة، وبما أفاء الله عليك من الغنائم. وعنه عليه السلام أنه قال: "جعل رزقي تحت ظل رمحي" (٢).

وقيل: قنعك، وأغنى قلبك. {فَلا تَقْهَرْ} فلا تغلبه على ماله؛ لضعفه.

{السّائِلَ} ليس هو الطالب المستجدي، بل هو طالب العلم متلقى بالرحب. {وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} التحدث بنعم الله: شكرها وإذاعتها.

***


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٧٦٨).
(٢) رواه أحمد في المسند (٢/ ٥٠)، وأبو داود رقم (٤٠٣١)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>